الانحرافات الكبرى - سعيد أيوب - الصفحة ٧٣
ويرجعوا إلى الطاعة. وإمساك المطر عنهم سيبعد بينهم وبين الترف لأن الترف أصل أصيل في إفساد الفطرة وإفقاد القلوب تلك الحساسية المرهفة التي تتلقى وتتأثر وتستجيب، وإمساك المطر يؤدي بالإنسان إلى دائرة التضرع، ليكون التضرع مدخلا إلى التوبة. وروي أن الله تعالى أمسك عنهم المطر ثلاث سنوات حتى جهدوا وأجدبوا وقحطوا. فأبوا إلا تماديا فيما هم عليه، وازدادوا عتوا وتمردا وعنادا (28) وعلى امتداد زمن القحط كان هود عليه السلام يدعوهم كي يستغفروا الله فيرسل سبحانه السماء عليهم مدرارا (قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره إن أنتم إلا مفترون * يا قوم لا أسألكم عليه أجرا إن أجري إلا على الذي فطرني أفلا تعقلون * ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدرارا ويزدكم قوة إلى قوتكم ولا تتولوا مجرمين) (29).
لقد دعاهم وقوتهم التي يستندون عليها تئن تحت ضربات القحط. دعاهم إلى عبادة الله وحده وأخبرهم أنه لا يسألهم على ما يدعوهم إليه أجرا حتى يتهموه بأنه يريد بدعوته منفعة تعود إليه أو تضربهم، وهو إنما يبغي ثوابه من الذي فطره، من الله الذي أوجده وأبدعه، ودعاهم إلى تعقل ما يقوله لهم. حتى يتضح لهم أنه ناصح لهم في دعوته، وأنه ما يريد إلا أنه يحملهم على الحق. كما دعاهم إلى طلب المغفرة من الله وأن يتوبوا ويرجعوا إليه بالأعمال الصالحة، حتى يرحمهم بإرسال سحب هاطلة ممطرة يحيي بها الأرض وينبت الزرع والعشب. ويزدهم قوة الإيمان إلى قوة الأبدان، وأخبرهم أن عبادتهم التي اتخذوها من دون الله إحرام منهم ومعصية توجب نزول السخط الإلهي عليهم، وفي الآية دلالة على أنهم كانوا مبتلين بإمساك السماء والجدب وهذا في قوله: (يرسل السماء عليكم) وكذا قولهم في موضع آخر: (فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم) (30) كما أن الآية بها إشعار أن هناك ارتباطا تاما بين الأعمال الإنسانية وبين الحوادث الكونية التي تمر.
فالأعمال الصالحة توجب فيضان الخيرات ونزول البركات، والأعمال الطالحة

(28) الميزان: 306 / 10، ابن كثير: 225 / 2.
(29) سورة هود، الآيات: 50 - 52.
(30) سورة الأحقاف، الآية: 24.
(٧٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 68 69 70 71 72 73 74 75 76 77 78 ... » »»
الفهرست