والآية: العلامة والبناء على الأماكن المرتفعة، اخترعته عاد الأولى هروبا من الطوفان بعد أن شوهت الأساطير حقيقة طوفان قوم نوح، واعتبروه ثورة طبيعية يمكن مقاومتها بالبناء فوق المرتفعات وتحصين المنشآت على الأرض ضد السيول. وبعد أن أهلك الله عادا الأولى، جاءت عاد الثانية إلى الأحقاف، وقاموا بسلخ العمد من الجبال حتى إن العمود الواحد كان بطول الجبل، ثم ينقلون هذه الأعمدة وينصبونها ويبنون عليها القصور (18)، ولقد أخبرهم هود عليه السلام أن هذا العمل لا يدرج إلا تحت عنوان العبث، لأن اليوم العظيم إذا جاء فلن تقف أمامه علامات فوق المرتفعات، ولا حصون وقلاع على الأرض الممهدة، فعملهم هذا عبث لا احتياج إليه، وهو في الحقيقة مجرد لهو وإظهار للقوة (19) ثم انتقل عليه السلام إلى الشطر الثاني من حضارة القوة فقال:
(وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون) قيل: المصانع كانت لنحت الجبال وبناء القصور. وقيل: هي البروج المشيدة والبنيان المخلد (20) وكان القوم يعتقدون أن هذه المصانع كافية لحمايتهم من الموت ووقايتهم من مؤثرات الجو ومن غارات الأعداء.. فقال لهم عليه السلام: أتتخذون مصانع لكي تقيموا فيها أبدا.
وذلك ليس بحاصل لكم بل زائل عنكم كما زال عمن كان قبلكم (21).
وبعد أن انتقد أعمدة عاد التي أقامت عاد عليها حضارتها وثقافتها الحديدية انتقل من الأعمدة الصخرية إلى الأعمدة التي. تتكون من لحم ودم وعظم وقال لهم: (وإذا بطشتم بطشتم جبارين) لقد وصفهم بالقوة والغلظة والجبروت (22) " إذا بطشتم " أي إذا أخذتم وسطوتم " بطشتم جبارين " أي قتلا بالسيف وضربا بالسوط. والجبار هو الذي يقتل ويضرب على الغضب (23) لقد ربط عليه السلام بين الأعمدة. بين الحجارة والدماء. فأعمدة هناك تنحت من الصخر ليرفع فوقها أعلام التحدي ورجاء الخلود، وأعمدة من لحم ودماء نزلت