بينته من المواعظ في شأن ما تقوم عليه حياتنا. كل هذا من عادة البشر الأولين الماضين الذين نسمع عنهم في الأساطير والخرافات (25).
والبشر الأولين بالنسبة لعاد هم قوم نوح بعد الطوفان، فبعد نوح عليه السلام بدأت قوافل التوحيد تتحرك هنا وهناك تدعو إلى الله. وبعد أن طال الأمد طوى النسيان ما كانت تعظ به هذه القوافل. ثم اقتحم الانحراف بثقافته عالم النسيان. واعتبر كل ما كان يعظ به الأوائل شذوذ وهكذا فعلت الأهواء بأصحابها. أنستهم الله فعبدوا الأصنام. وأنستهم معجزات الله يوم الطوفان فأقاموا الأعمدة لتحميهم من الطوفان. وأنستهم صوت الحق والضمير على امتداد الأيام فاعتبروا التوبة والاستغفار رجعية. وإذا كانت عاد أول من قالوا: (إن هذا إلا خلق الأولين)، فلقد أمسك كفار قريش الذين واجهوا الرسالة الخاتمة بذيلهم (وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا) (26).
وذكر البغوي وابن كثير أن آخرين قرأوا (إن هذا إلا خلق الأولين) بضم الخاء واللام. يعنون دينهم وما هم عليه من الأمر، هو دين الأولين من الآباء والأجداد.
ونحن تابعون لهم سالكون وراءهم نعيش كما عاشوا ونموت كما ماتوا. ولا بعث ولا معاد. ولهذا قالوا: (وما نحن بمعذبين) (27).
لقد انتفخت عاد بالغطرسة وانتفشوا بالغرور وازدادوا عتوا وتمردا وعنادا أمام رسول الله الذي يدعوهم إلى الإيمان بالله على بصيرة، ومع العتو والغرور. كان كل يوم يمر تشيد عاد المزيد من الحصون والقلاع والمخازن المملوءة بالحبوب وفقا لثقافة (من أشد منا قوة)؟
* ثانيا: تكبيل القوة:
لما دعاهم هود عليه السلام إلى الله تعالى وإلى دينه. وبالغ في وعظهم وإرشادهم. وحذرهم سطوة الجبار العلي القدير وعقوبته في الدنيا والآخرة. فلم ينفع معهم ولم يفد شيئا. حبس الله سبحانه عنهم المطر كي يتنبهوا ويرتدعوا