الانحرافات الكبرى - سعيد أيوب - الصفحة ٧٧
ثالثا: استعجال العذاب:
ظل هود عليه السلام يدعو قومه، لكن الاستكبار كان يجري في دمائهم.
رغم ما يعانون من ذل نتيجة لعدم مقدرتهم على الكيد لهود. ولما يعانونه من القحط لإمساك المطر عنهم. والمستكبر المحتاج أكثر خطرا من غيره، لأنه يستعمل جميع أدوات البطش التي لا يستعملها غيره. وإن كان غيره يمكن أن يدمر من حوله من أجل نفسه فإن المستكبر المحتاج يمكن أن يدمر كل من حوله حتى نفسه ولا يتنازل عن هواه وجميع الذين استكبروا قبل أن يضربهم عذاب الاستئصال أوقفهم الله في دائرة الحاجة كي يستغفروا. لكنهم خرجوا من الدائرة وهم يشهرون مخالبهم في وجه كل طاهر، ويغرسون أنيابهم في جسم كل عفيف، طمعا في أن يخنقوا الأرض أو يصيبوها بالوباء. إن الاستكبار بجميع فصائله ينطلق من مملكة الظلم، التي يديرها أصحاب الرؤوس الفارغة والقلوب القاسية، وهؤلاء لا يتنازلون عن هوى من أهوائهم فيه حاجة لهم. وإن ترتب على ذلك الهلاك للجميع. لأنهم ببساطة ألد أعداء الجنس البشري وإن كانوا ينتمون إليه. هم ألد أعداء الإنسانية لأنهم يتصورون أن في عروقهم تجري الدماء النقية، ووفقا لهذا التصور أو الاعتقاد رفضوا قديما النبي البشر، وتطور الرفض فيما بعد إلى كل حامل علم لا يستقيم مع أهوائهم وإن كان حامل العلم معه سلطان وبرهان.
لقد خرجت عاد من دائرة الاحتياج رافضة للتوبة والاستغفار، وأمام العناد كان هود عليه السلام يبلغ رسالات ربه إليهم (يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره أفلا تتقون) (38) لم يحدثهم عن قلاعهم وحصونهم. إنما دعاهم فقط إلى عبادة الله. ولم يضف على ذلك شيئا. فماذا كان ردهم؟ (قال الملأ الذين كفروا من قومه إنا لنراك في سفاهة وإنا لنظنك من الكاذبين) (39) لقد كان جوابهم له فيه احتقار ومهانة. واجهوه أولا بأن فيه سفاهة. وواجهوه ثانيا بأنهم يظنون أنه من الكاذبين.. لتد واجهوه بهذه التهم لأنهم سمعوا منه دعوته أكثر من

(38) سورة الأعراف، الآية: 65 (39) سورة الأعراف، الآية: 66.
(٧٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 72 73 74 75 76 77 78 79 80 81 82 ... » »»
الفهرست