الانحرافات الكبرى - سعيد أيوب - الصفحة ٧٩
الشكر والحمد. فقال لهم: لا تعجبوا أن بعث الله إليكم رسولا من أنفسكم لينذركم أيام الله ولقاءه، بل احمدوا الله على ذلك، واذكروا نعمة الله عليكم في جعلكم من ذرية نوح الذي أهلك الله أهل الأرض بدعوته لما خالفوه وكذبوه، واشكروا الله الذي جعلكم أطول من أبناء جنسكم. واذكروا نعم الله ومنته عليكم لعلكم تفلحون (43).
لقد طالبهم بالشكر في أربعة مواضع:
(أولا): أنه سبحانه بعث فيهم رسولا منهم وهذه نعمة تستحق الشكر.
(ثانيا): أنه سبحانه جعلهم خلفاء من بعد قوم نوح دون غيرهم من الأمم.
(ثالثا): أنه سبحانه زادهم في الخلق بصطة. وزيادة الخلق تزيد القوة ويترتب على ذلك إقامة المدينة والحضارة.
(رابعا): أنه سبحانه أعطاهم من النعم ما لا تحصى ولا تعد وكل نعمة من نعم الله يجب شكرها، وشكرها أن توضع في موضعها، فماذا كان رد الجبابرة عندما طالبهم هود عليه السلام بأن يذكروا الله ويشكروه؟ (قالوا أجئتنا لنعبد الله وحده ونذر ما كان يعبد آباؤنا فاتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين) (44) لقد رفضوا الذكر والشكر. وذلك لرفضهم عبادة الله وحده. كما حافظوا في ردهم على عبادة ما وجدوا عليه آباءهم. وفي خاتمة ردهم طالبوا بالعذاب. وهكذا طالب هود بمطالب تنسجم مع الفطرة، فردوا بردود تنسجم مع العذاب العظيم لقد استكبرت عاد! قالوا لهود عليه السلام: (أجئتنا لنعبد الله وحده) لقد وجدوا في التوحيد قيد، وجدوا فيه افعل ولا تفعل. أما ما كان يعبد الآباء فلا قيد فيه. لأن الأصنام لا تأمر ولا تنهى. وعلى هذا تكون أهواء الجبابرة طليقة في عالم الاغواء والتزيين. والقوي فيهم يكون سيدا للغابة، ولا قانون إلا قانونه، وفي عالم الغابة هذا، إذا قدمت ماءا صافيا لإنسان، برزت أنيابه كذئب يعوي!
وإذا حملت طعاما نقيا للجائعين، لا ينظرون إليه.. بل إليك! ويقتفون أثرك

(43) ابن كثير: 224 / 2.
(44) سورة الأعراف، الآية: 70.
(٧٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 74 75 76 77 78 79 80 81 82 83 84 ... » »»
الفهرست