الانحرافات الكبرى - سعيد أيوب - الصفحة ٦٤
صاحبها جميع طرق الانحراف مرتديا رداء الصبر مرتبطا بنبي سابق متجها نحو نبي لاحق إن أدركه آمن به وإن لم يدركه وقع أجره على الله. والذاكرة التي تحتضن الأمل لا تأخذ إلا بالحق ولا تعمل إلا به. لأنها من البداية إلى النهاية انتظمت على الصراط المستقيم ماضيا وحاضرا ومستقبلا. وعلى امتداد طريقها يكون رداء الصبر تحصين لها من عقائد وثقافات مظلات الشذوذ فالصبر إذا انطلق من عالم المشاهدة إلى عالم الغيب المخبوء ليلتقي بأمل يكون له مذاق خاص لأن الغاية غيب، والغيب في علم الله، فهذا الصبر الممدود يغذي ملكات النفس بالزاد التوحيدي الذي يشعر معه صاحبه بأنه ليس من نسيج قافلة الانحراف لأنه لا يسير على صراطها. وكما أن وضع الأنبياء في الذاكرة تحصين للسمع والبصر والفؤاد، كذلك فإن نسيان هذا الإخبار بالغيب يترتب عليه أن يسير صاحبه في طريق طويل وهو فاقد الذاكرة، وفاقد الذاكرة بعيد عن قافلة الصراط المستقيم قريب من دوائر الأهواء والانحراف والشذوذ وهذه الدوائر لا تلتقط إلا أجيال اللاوعي لتنشئ منهم جدرا يصدون عن سبيل الله. وأجيال اللاوعي هي التي ينتهي بها الطريق بأن تتصدى لأنبياء الله تعالى عندما يبعثهم الله ليضعوا قواعد تستقيم مع الفطرة. ورفضهم للأنبياء ارتكاس للفطرة نتيجة لليل طويل قطعوه وراء اتباع الشياطين الذين يغرسون الأماني المزخرفة في النفوس ويقيمون لها أصناما من كل الألوان والأشكال والأجناس، وعندما يأتي الرسول أو النبي إليهم يجدهم مستعدين للدفاع عن ما ألفته نفوسهم وما أصله فيهم آباؤهم وما تركه لهم أجدادهم.
لقد غرس نوح عليه السلام اسم النبي الذي سيأتي بعده في ذاكرة قومه.
كي تتمسك الذاكرة بعلامات التوحيد وتظل عروة التوحيد تمدهم بالزاد، وهم يعبرون من على طرق الذين ظلموا أنفسهم ويمتعهم الله ثم يمسهم منه عذاب أليم. وظل سام بن نوح يعمل بوصية والده، وكان القوم يتعاهدون بعث هود في يوم عيدهم. وعندما طال الأمد وتفرق الناس في الأمصار، اجتالت الشياطين الناس، وظهرت الأهواء التي تمهد للوثنية من جديد، وأصبحت وصية نوح بهود عليهما السلام، لا يهتم بها إلا طلاب العلم الذين عكفوا على كتب العلم وآثار علم النبوة، وظهرت الأمم التي أخبر الله تعالى بها نوحا عليه السلام بقوله: (يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك وأمم سنمتعهم ثم
(٦٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 58 59 60 61 63 64 65 66 67 68 69 ... » »»
الفهرست