بالإنسان إلى أسفل سافلين. فنهش أصحابها أبدان المستضعفين طمعا في امتلاك جلودهم. إن عالم الأعمدة هو عالم الجوع والخوف. لقد كفروا بالنعمة وبالمنعم فألبسهم الله لباس الجوع والخوف. إن القلاع،. والحصون خوف وجوع، وبطش الجبارين خوف وجوع، لأن الاطعام والأمن لا وجود له إلا في دائرة التقوى على الصراط المستقيم. وعاد قفزت من الدائرة وانحرفت عن الصراط. وبعد أن انتقد عليه السلام حضارتهم طالبهم بالدخول في دائرة التقوى وأن يطيعوا الله تعالى فيما يأمرهم به من ترك الترف والاستكبار. لأن الله تعالى هو الذي أمدهم بما يعلمون من بسطة في الخلق وعظم الهيكل البدني، وهذا ظاهر لهم حيث يفوقون الأمم من حولهم في هذا، وهذه القوة زادت من قوتهم، فالواجب عليهم أن يشكروه عليها بوضع النعمة في موضعها، لأن الهلاك سببه كفران النعمة والطغيان بالمعصية، ثم ذكر لهم عليه السلام ما أمدهم الله به وعليه قامت أيضا حضارتهم. فالله تعالى أمدهم بالأموال والأنعام والبنين وجعل لهم الجنات والعيون. فهذا العطاء يجب أن يشكروا الله عليه ويتقوه فيه، لأن عدم شكر الله قد يحول هذا العطاء من مجرى النعمة إلى مجرى النقمة، ومجرى النقمة يكون إذا آثروا المعصية على الطاعة. ثم قال عليه السلام: (إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم) أخبرهم أنه يخاف عليهم لأنهم قومه، ويخاف عليهم لأنه أمين لا يسألهم أجرا، مشفق عليهم من عذاب الجبار خائف عليهم من نقمته وحلول غضبه على من تمرد عليه وبغى، ولم يرحم نفسه بخضوعه لله الواحد الذي له سلطان الدنيا والآخرة.
كان عليه السلام يتعامل معهم على مائدة القوم، مائدة التعاطف، فماذا كان ردهم؟ لقد جاء الرد بعيدا عن مائدة التعاطف جاء من قوم لا يتعاملون مع الطبيعة ومع الناس إلا تعامل الجبابرة (قالوا سواء علينا أو عظت أم لم تكن من الواعظين * إن هذا إلا خلق الأولين * وما نحن بمعذبين) (24) لقد قابلوا خطابه الذي اتسم باللطف والعطف والخلق الكريم، قابلوه بقسوة وقالوا: ما يعنينا أن تعظ أو لا تكون أصلا من الواعظين. وأن ما ذكرته من الدعوة إلى التوحيد. وما