الانحرافات الكبرى - سعيد أيوب - الصفحة ٣٩١
منافقون ومن أهل مدينتكم أيضا أمثالهم أقوام منافقون (مردوا على النفاق) أي مرنوا عليه ودربوا به. وقيل: مردوا على النفاق أي لجوا فيه وأبوا غيره. لا تعلمهم أنت يا محمد. وهؤلاء المنافقين الذين وصفت لك صفتهم نحن نعلمهم (237) فهذا الفريق الذي مرن على النفاق ودرب به ومارسه. حتى اعتاده. منه من أجاد التسلل بين الأحداث طمعا في الرئاسة والإمارة والعودة بروح القبيلة التي قضى عليها السلام بعد أن أرسى قاعدة إن أكرم الناس عند الله أتقاهم وهذا الصنف الذي وضع الإمارة أمام عينيه شق طريقه بالركوبة التي تنظم له الوصول إلى هدفه. ومن المنافقين أيضا من ارتد كما في قوله تعالى: (ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون) (238) وكتم الارتداد لا يحمل إلا السوء للأمة والمتدبر في حوادث آخر عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم والفتن الواقعة بعد رحلته يجد صورا عديدة تبدو فيها ملامح أولئك الذين دربوا ومرنوا على النفاق.
وطابور الانحراف الذي يحمل اسم النفاق ويعمل على خطوط الصد له هيئته وهيبته بين الناس. فالفريق وإن كان بينه الأخساء وأولاد الزنا إلا أنه يجمع بين دفتيه الشراف وأصحاب الصوت المسموع والكعب العالي. يقول تعالى:
(وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خشب مسندة يحسبون كل صيحة عليهم هم العدو فاحذرهم قاتلهم الله أنى يؤفكون) (239) قال المفسرون: المراد أنهم على صباحة من المنظر وتناسب من الأعضاء. إذا رآهم الرائي أعجبته أجسامهم وفصاحة وبلاغة من القول إذا سمع السامع كلامهم مال إلى الاصغاء إلى قولهم لحلاوة ظاهره وحسن نظمه. وقوله: (كأنهم خشب مسندة) ذم لهم. والمراد أن لهم أجساما حسنة معجبة وقولا رائعا ذا حلاوة.
لكنهم كالخشب المسندة. أشباح بلا أرواح لا خير فيها ولا فائدة تعتريها لكونهم لا يفقهون. وقوله: (يحسبون كل صيحة عليهم) ذم آخر لهم. أي أنهم لإبطانهم الكفر وكتمانهم ذلك من المؤمنين يعيشون على خوف ووجل ووحشة.

(237) ابن جري في تفسيره: 8 / 11.
(238) سورة المنافقين، الآية: 3.
(239) سورة المنافقين، الآية: 4.
(٣٩١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 386 387 388 389 390 391 392 393 394 395 396 ... » »»
الفهرست