الانحرافات الكبرى - سعيد أيوب - الصفحة ٣٩٠
والمنافقون والتحريم. وقد أوعدهم الله في كتابه أشد الوعيد. ففي الدنيا بالطبع على قلوبهم وجعل الغشاوة على سمعهم وعلى أبصارهم. وإذهاب نورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون وفي الآخرة يجعلهم في الدرك الأسفل من النار.
وليس ذلك إلا لشدة المصائب التي أصابت الإسلام والمسلمين من كيدهم ومكرهم وأنواع دسائسهم. فلم ينل المشركون واليهود والنصارى من دين الله ما نالوه. وناهيك فيهم قول الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم يشير إليهم:
(هم العدو فاحذرهم) (233) وقد ظهر آثار دسائسهم ومكائدهم أوائل ما هاجر النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة فورد ذكرهم في سورة البقرة. وقد نزلت - على ما قيل - على رأس ستة أشهر من الهجرة. ثم في السور الأخرى النازلة بعد بالإشارة إلى أمور من دسائسهم وفنون من مكائدهم.
كانسلالهم من الجند السلامي يوم أحد وهم ثلثهم تقريبا. وعقدهم الحلف مع اليهود واستنهاضهم على المسلمين وبنائهم مسجد ضرار واشاعتهم حديث الإفك إلى غير ذلك مما تشير إليه الآيات القرآنية حتى بلغ أمرهم في الفساد وتقليب الأمور على النبي صلى الله عليه وآله وسلم (234) إلى حيث هددهم الله تعالى بقوله:
(لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلا * ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلا) (325).
وأجهزة ومؤسسات النفاق عملت على خطوط الصد عن سبيل الله في كل موضع نظرا لاختفاء جنودها تحت اللافتة الإسلامية. وهذه الميزة جعلتهم يتسللون في كل مكان. والنبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يعرف بعضهم.
والبعض الآخر لا يعلمهم ولا يعلمهم إلا الله. يقول تعالى لرسوله: (وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم) (236) قال المفسرون: أي من القوم الذين حول مدينتكم من الأعراب

(233) سورة المنافقون، الآية: 4.
(234) الميزان: 288 / 19.
(235) سورة الأحزاب، الآيتان: 69 - 61.
(236) سورة التوبة، الآية 101.
(٣٩٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 385 386 387 388 389 390 391 392 393 394 395 ... » »»
الفهرست