الانحرافات الكبرى - سعيد أيوب - الصفحة ٣٩٥
وإن كانوا تحت الشمس وحياة الخوف وإن كانوا بين الجند.
أما الجريمة الثانية التي نلقي عليها الضوء. فهي جريمة بناء المسجد الضرار. لقد أراد طابور الانحراف أن يشق الدعوة برموز الدعوة. ففي عصر الرسالة لم يكن في استطاعة هذا المعسكر سوى أن يقيم بنيانا تقام فيه الصلاة وتبث منه ثقافة تمهد لمجئ الروم. يقول تعالى: (والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا بين المؤمنين وإرصادا لمن حارب الله ورسوله من قبل وليحلفن إن أردنا إلا الحسنى والله يشهد إنهم لكاذبون) (248) قال المفسرون: إن الباعث لهم على هذا العمل. كان أمورا أربعة:
الأول: الضرار وهو المضارة أي إيصال الضرر.
والثاني: الكفر بالإسلام وذلك أنهم أرادوا تقوية أهل النفاق.
والثالث: التفريق بين المؤمنين. لأنهم أرادوا أن لا يحضروا في مسجد قباء. فتقل جماعتهم. ولا سيما إذا صلى النبي في مسجدهم. فيؤدي ذلك إلى اختلاف الكلمة وبطلان الألفة.
والرابع: قوله: (وإرصادا لمن حارب الله ورسوله) (249).
هذه أعمدة مسجد طابور الانحراف. أعمدة هدفها الصد عن سبيل الله.
وبداية هذه العمل كما اتفق عليه أهل النقل: إن جماعة من بني عمرو بن عوف.
بنوا مسجد قبا. وسألوا النبي أن يصلي فيه. فصلى فيه فحسدهم جماعة من بني غنم بن عوف. وهم منافقون. فبنوا مسجدا إلى جنب مسجد قبا ليضروا به ويفرقوا المؤمنين منه وينتظروا أبي عامر الراهب الذي وعدهم أن يأتيهم بجيش من الروم ليخرجوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم من المدينة وأمرهم أن يستعدوا للقتال معهم، ولما بنوا المسجد أتوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو يتجهز إلى تبوك. وسألوه أن يأتيه ويصلي فيه. ويدعو لهم بالبركة. فوعدهم إلى الفراغ من أمر تبوك والرجوع إلى المدينة. فلما رجع النبي من تبوك نزلت الآيات. وروي

(248) سورة التوبة، الآية: 107.
(249) ابن جرير في التفسير: 17 / 11.
(٣٩٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 390 391 392 393 394 395 396 397 398 399 400 ... » »»
الفهرست