الانحرافات الكبرى - سعيد أيوب - الصفحة ٣٨٥
قلوبهم (224).
وإذا كان المشركون قد التقطوا من اليهود أهواء آبائهم الأوائل وصدوا بها عن سبيل الله. فأن النصارى الذين أمسكوا بذيل بولس تاجروا أيضا ببضاعة بولس في عهد المدينة المنورة. والجدير بالذكر أن أهل الكتاب في العهد المكي كانوا يتحركون بصورة تكاد تكون خفية. أما في أيام المدينة فلقد برزوا كعضو مؤثر في عالم الصد عن السبيل وهذا يبدو واضحا في عدد الآيات التي كشفت حقدهم وحسدهم وعنادهم ففي المدينة فضحهم الوحي أما في مكة فكان الوحي يقص عليهم قصصهم ويبين لهم كثيرا مما اختلفوا فيه لعلهم يتوبوا إلى الله. وفي عهد المدينة خرجت من نجران قافلة ترفع لافتة المسيح الإله وسارت بهذه اللافتة على أرض التوحيد. وقص الوحي عليهم القول الحق في المسيح عليه السلام.
ولكنهم أبو إلا أن يمسكوا بتراث الآباء الذين يتقدمهم بولس. وأمام هذا الاصرار تلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عليهم قوله تعالى: (إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون) (225) قال المفسرون:
" الآيات نازلة في الإحتجاج ومتعرضة بشأن وفد نصارى نجران ". ومعنى الآية:
إن مثل عيسى عند الله. أي وصفه الحاصل عنده تعالى. أي ما يعلمه الله تعالى من كيفية خلق عيسى الجاري بيده. إن كيفية خلقه يضاهي كيفية خلق آدم.
وكيفية خلقه أنه جمع أجزائه من تراب ثم قال له كن فتكون تكوينا بشريا من غير أب.
فالبيان بحسب الأحقية منحل إلى حجتين. تفي كل واحدة منهما على وحدتها بنفي الألوهية عند المسيح عليه السلام:
إحداهما: أن عيسى مخلوق لله - على ما يعلمه الله ولا يضل في علمه - خلقه بشر وإن فقد الأب. ومن كان كذلك كان عبدا لا ربا.
وثانيهما: إن خلقته لا تزيد على خلقة آدم فلو اقتضى خلقه أن يقال بألوهيته بوجه. لاقتضى خلق آدم ذلك مع أنهم لا يقولون بها فيه. فوجب أن لا

(224) الميزان: 263 / 1.
(225) سورة آل عمران، الآية: 59.
(٣٨٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 380 381 382 383 384 385 386 387 388 389 390 ... » »»
الفهرست