الانحرافات الكبرى - سعيد أيوب - الصفحة ٣٧٦
قال المفسرون: المراد بالقرية: أهل القرية. بدليل قوله بعد ذلك:
(أهلكناهم) وفي الآية تقوية لقلب النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وتهديد لأهل مكة وتحقير لأمرهم. فلقد أخبر سبحانه. أنه أهلك قرى كثيرة كل منها أشد قوة من قريتهم ولا ناصر لهم ينصرهم (207) وفي الآية تهديد شديد ووعيد أكيد لأهل مكة في تكذيبهم لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. فإذا كان الله عز وجل قد أهلك الأمم الذين كذبوا الرسل قبله بسببهم وكانوا أشد قوة من هؤلاء.
فماذا ظن هؤلاء أن يفعل الله بهم في الدنيا والآخرة (208) وعلى الرغم من أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأخرج بعد أن رفض معسكر الانحراف الهدى. فإن تلاميذ هذا المعسكر قاموا بوضوح الإسلام في صورة المعتدي من يومه الأول. لم يتبين التلاميذ أن طلائع النهار قد تركوا وراء ظهورهم الأرض والأموال وتركوا جحافل الليل تمتع بما تريد. ولم يفهم التلاميذ أن الله كان يمكن أن يخزي أعداء دينه ويمكن لرسوله في مكة. ولكنه تعالى لم يفعل ذلك لأن صراطه المستقيم يقوم على أن لا إكراه في الدين. لقد رفضوا الدين وعندما أقيمت عليهم الحجة أخرج الرسول من باب الإخراج وليس من باب الخروج. لم يفهم التلاميذ ذلك لأنهم يسيرون في طريق الطمس وطريق القهقري الذي يتجه إلى الآباء وليس فيه علم يرى. بل أهواء يلوكها ذئاب الطابور الأول ثم تتلقفها كلاب الطابور الأخير.
خامسا: الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في المدينة:
1 - الدعوة في المدينة:
هاجر النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة بعد أن أخرجه الذين كفروا من مكة بغير حق. وفي المدينة قام ببناء مسجده بعد أن آخا بين المهاجرين والأنصار بصورة لم يشهد لها التاريخ مثيلا. فلقد قامت المؤاخاة بتذويب جميع الفوارق بين الإنسان وأخيه الإنسان. في المدينة بدأ النبي صلى الله عليه وآله

(207) الميزان 232 / 18.
(208) ابن كثير: 175 / 4.
(٣٧٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 371 372 373 374 375 376 377 378 379 380 381 ... » »»
الفهرست