ملك إن أتبع إلا ما يوحى إلي قل هل يستوي الأعمى والبصير أفلا تتفكرون) (156) قال المفسرون: (إن أتبع) ليدل على كونه مأمورا بتبليغ ما يوحى إليه. ليس له إلا اتباع ذلك (قل هل يستوي الأعمى والبصير أفلا تتفكرون) أي أني وإن ساويتكم في البشرية والعجز. لكن ذلك لا يمنعني عن دعوتكم إلى اتباعي. فإن ربي جعلني على بصيرة بما أوحى إلي دونكم. فأنا وأنتم كالبصير والأعمى لا يستويان في الحكم. وإن كانا متساويين في الإنسانية. فإن التفكر في أمرهما يهدي الإنسان إلى القضاء بأن البصير يجب أن يتبعه الأعمى. والعالم يجب أن يتبعه الجاهل (157)!
وسارت قافلة الظلام تشق طريقها في غبار الضلال (وقالوا يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون) (158)! وبينما هم يقولون ذلك يقول تعالى لرسوله: (ما أنت بنعمة ربك بمجنون) (159) وقال: (ولقد استهزئ برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزؤون) (160) وقال: (قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون * ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى آتاهم نصرنا) (161) وقال: (واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا) (162) لقد طيب الله تعالى خاطر رسوله وخاصة في السور المكية لشدة الأمر عليه وأخبره بأنه سبحانه نزل الذكر عليه وأنه تعالى يحفظه. فلا يضيق صدره بما يقولون فإن ما يقولوه دأب المجرمين من الأمم الإنسانية. وأن حال دعوته بالذكر المنزل عليه، تشبه حال الرسالة من قبله، فكلما أرسل الله من قبله رسولا، قابلوا الرسالة بالصد والاستهزاء. وهؤلاء المجرمين، لو فتح الله عليهم بابا من السماء، ويسر لهم الدخول في عالمها. فداموا فيه عروجا بعد عروج، حتى يتكرر لهم مشاهدة ما