الانحرافات الكبرى - سعيد أيوب - الصفحة ٣٧٣
هذه أمة مرحومة رفع الله عنهم عذاب الدنيا إكراما منه لنبيهم نبي الرحمة. فهم في أمن من عذاب الله وإن انهمكوا في كل إثم وخطيئة وهتكوا كل حجاب. مع أنه لا كرامة عند الله إلا بالتقوى. وقد خاطب المؤمنين من هذه الأمة بمثل قوله: (ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به) (197).
وربما تعدى المتعدي فعطف عذاب الآخرة على عذاب الدنيا. فذكر أن الأمة مغفور لها محسنهم ومسيئهم فلا يبقى لهم في الدنيا إلا كرامة أن لهم أن يفعلوا ما شاؤوا. فقد أسدل الله عليهم حجاب الأمن. ولا في الآخرة إلا المغفرة والجنة؟! ولا يبقى على هذا للملة والشريعة. إلا أنها تكاليف وأحكام جزافية لعب بها رب العالمين ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون. تعالى عما يقولون علوا كبيرا. فهذا كله من العراض عن ذكر الله وهجر كتابه. وقال الرسول: يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا. أما قوله تعالى: (قل أرأيتم أن آتاكم عذابه بياتا أو نهارا ماذا يستعجل منه المجرمون) فإنهم لما استعجلوا آية العذاب قال تعالى ملقنا لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم: (قل أرأيتم) وأخبروني (إن آتاكم عذابه بياتا) ليلا (أو نهارا) فإنه عذاب لا يأتيكم إلا بغتة إذ لستم تعلمون وقت نزوله (ماذا يستعجل منه) من العذاب (المجرمون) أي ماذا تستعجلون منه. وأنتم مجرمون لا يتخطاكم إذا آتاكم. ثم وبخهم على تأخير إيمانهم إلى حين لا ينفعهم الإيمان فيه. وهو حين نزول العذاب فقال تعالى: (أثم إذا ما وقع) العذاب (آمنتم به) أي بالقرآن أو بالدين أو بالله. " الآية " أي أتؤمنون به في هذا (الآن) والوقت (وقد كنتم به تستعجلون) وكان معنى استعجالهم عدم الاعتناء بشأن هذا العذاب وتحقيره وبالإستهزاء به..
وقوله تعالى: (ثم قيل للذين ظلموا ذوقوا عذاب الخلد هل تجزون إلا بما كنتم تكسبون) الأشبه أن تكون الآية متصلة بقوله تعالى: (لكل أمة أجل) الخ. فتكون الآية الأولى تبين تحقق وقوع العذاب عليهم وإهلاكهم إياهم.
والآية الثانية تبين أنه يقال لهم بعد الوقوع والهلاك: ذوقوا عذاب الخلد وهو عذاب الآخرة. ولا تجزون إلا أعمالكم التي كنتم تكسبونها وذنوبكم التي

(197) سورة النساء، الآية: 123.
(٣٧٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 368 369 370 371 372 373 374 375 376 377 378 ... » »»
الفهرست