الانحرافات الكبرى - سعيد أيوب - الصفحة ٣٦٣
يخفى على ذي نظر. فإنهم طالبوه بأمور عظام، لا يقوى على أكثرها إلا القدرة الغيبية الإلهية. وفيها ما هو مستحيل بالذات كالإتيان بالله والملائكة قبيلا. ولم يرضوا بهذا المقدار ولم يقنعوا به دون أن جعلوه هو المسؤول المتصدي لذلك.
المجيب لما سألوه. فلم يقولوا لن نؤمن لك حتى تسأل ربك أن يفعل كذا وكذا.
بل قالوا: (لن نؤمن لك حتى تفجر) (أو تكون لك...) (أو تأتي بالله) إن أرادوا منه ذلك بما أنه بشر. فأين البشر من هذه القدرة المطلقة غير المتناهية.
المحيطة حتى بالمحال الذاتي. وإن أدوا منه ذلك بما أنه يدعي الرسالة.
فالرسالة لا تقتضي إلا حمل ما حمله الله من أمره وبعثه لتبليغه بالإنذار والتبشير لا تفويض القدرة الغيبية إليه وإقداره أن يخلق كل ما يريد. ويوجد كل ما شاؤوا.
وهو صلى الله عليه وآله وسلم لا يدعي لنفسه ذلك. فاقتراحهم ما اقترحوه مع ظهور الأمر من عجيب الاقتراح. ولذلك أمره تعالى أن يبادر في جوابهم أولا إلى تنزيه ربه مما يلوح إليه اقتراحهم هذا. من المجازفة وتفويض القدرة إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم. ولا يبعد أن يستفاد منه التعجب. فالمقام صالح لذلك. وثانيا. إلى الجواب بقوله في صورة الاستفهام (هل كنت إلا بشرا رسولا) وهو يؤيد كون قوله: (سبحان ربي) واقعا موقع التعجب. أي: إن كنتم اقترحتم على هذه المور وطلبتموها مني بما أنا محمد. فإنما أنا بشر ولا قدرة للبشر على شئ من هذه الأمور. وإن كنتم اقترحتموها لأني رسول ادعي الرسالة. فلا شأن للرسول إلا حمل الرسالة وتبليغها لا تقلد القدرة الغيبية المطلقة.
قد ظهر بهذا البيان أن كلا من قوله " بشرا " و " رسولا " دخيل في استقامة الجواب عن اقتراحهم. أما قوله: " بشرا " فليرد به اقتراحهم عيه أن يأتي بهذه لآيات عن قدرته في نفسه. وأما قوله: " بشرا " فليرد به اقتراحهم عليه أن يأتي بهذه مكتسبة من ربه (152).

(152) الميزان: 205 / 13.
(٣٦٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 358 359 360 361 362 363 364 365 366 367 368 ... » »»
الفهرست