تعالى: (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة كذلك نفصل الآيات لقوم يعلمون * قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون) (131) ففي هذه الآيات ردا على ما فعلوه وما قالوا به فيما سبق هذه الآية من آيات. وفيها قواعد أساسية لإقامة المجتمع الصالح وفيها أخيرا ردا كافيا على من اتهم الإسلام بالجمود فيما بعد. قال المفسرون: والمعنى: أن الله تعالى هدى الإنسان من طريق الفطرة إلى إيجاد أنواع الزينة التي يستحسنها مجتمعة ويستدعي انجذاب نفوسهم إليه وارتفاع نفرتهم واشمئزازهم عنه. فالله يخرج لهم الزينة. قد كانت مخبية خفية. بإظهارها لحواسهم. ولو كان الإنسان يعيش في الدنيا وحده في غير مجتمع من أمثاله. لم يحتاج إلى زينة يتزين بها قط. ولا تنبه للزوم إيجادها. لأن ملاك التنبيه هو الحاجة. لكنه لما لم يسعه إلا الحياة في مجتمع من الأفراد. وهم يعيشون بالإرادة والكراهة والحب والبغض. والرضى والسخط. فلا محيص لهم من العثور على ما يستحسنونه وما يستقبحونه من الهيئات والأزياء. فيلهمهم المعلم الغيبي من وراء فطرتهم بما يصلح ما فسد منهم ويزين ما يشين منهم.
وهذه المسماة بالزينة من أهم ما يعتمد عليه الاجتماع الإنساني. وهي من الآداب العريقة التي تلازم المجتمعات. وتترقى وتنزل على حسب تقدم المدنية والحضارة. ولو فرض ارتفاعها من أصلها في مجتمع من المجتمعات. انهدم الاجتماع. وتلاشت أجزاءه من حينه، لأن معنى بطلانها، ارتفاع الحسن والقبيح، والحب والبغض، والإرداة والكراهة، ولا مصداق للاجتماع الإنساني عندئذ. وقوله: (والطيبات من الرزق) الطيب هو الملائم للطبع. وهي الأنواع المختلفة مما يرتزق به الإنسان بالتغذي منه. أو مطلق ما يستمد به في حياته وبقائه. كأنواع الطعام والشراب والمنكح والمسكن ونحوها. وقد جهز الله سبحانه الإنسان بما يحس بحاجته إلى أقسام الرزق. ويستدعي تناولها بأنواع من