الانحرافات الكبرى - سعيد أيوب - الصفحة ٣٦٠
الرحمة الكبرى. وهي مفتاح سعادة البشر الدائمة والفلاح الخالد فيعطونها لمن شاؤوا ويمنعونها ممن شاؤوا. إنهم لا يملكون النبوة التي هي رحمة لله خاصة به حتى يمنعوك يا محمد منها ويعطوها لمن هووا. إن طابور الدفاع عن مقولات الآباء لم يفهم أن مقتضى العناية الإلهية هداية كل نوع من أنواع الخليقة إلى كماله وسعادته. والإنسان الذي هو أحد هذه الأنواع غير مستثنى من هذه الكلمة. ولا تتم سعادته في الحياة إلا بأن يعيش عيشة اجتماعية تحكم فيها قوانين وسنن تضمن سعادة حياته في الدنيا وبعدها. وترفع الاختلافات الضرورية الناشئة بين الأفراد.
وإذ كانت حياته حياة شعورية. فلا بد أن يجهز بما يتلقى به هذه القوانين والسنن. ولا يكفي في ذلك ما جهز به من العقل المميز بين خيره وشره. فإن العقل يعينه ويهديه إلى الاختلاف. فلا بد أن يجهز بشعور آخر يتلقى به ما يفيضه الله من المعارف والقوانين الرافعة للاختلاف الضامنة لسعادته وكماله. وهو شعور الوحي. الإنسان المتلبس به هو النبي (146) لم يفهم حملة أعلام السلف أن الذي يصلح لتلقي الوحي من الله هو الرسول، وأما غيره فهم محرومون من ذلك لعدم استعدادهم لذلك.
ثانيا: دفاعهم عن تيار السلف:
خرج معسكر الانحراف من أجل الدفاع عن حجارته وأهوائه ومنهج شيطانه يقول تعالى: (وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قالوا ما هذا إلا رجل يريد أن يصدكم عما كان يعبد آباؤكم وقالوا ما هذا إلا إفك مفترى وقال الذين كفروا للحق لما جاءهم إن هذا إلا ساحر مبين) ثم يطيب الله خاطر رسوله فيقول: (وما آتيناهم من كتب يدرسونها وما أرسلنا إليهم قبلك من نذير * وكذب الذين من قبلهم وما بلغوا معشار ما آتيناهم فكذبوا رسلي فكيف كان نكير * قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا ما بصاحبكم من جنة إن هو إلا نذير لكم بين يدي عذاب شديد * قل ما سألتكم من أجر فهو لكم إن أجري إلا على الله وهو على كل شئ شهيد) (147) قال المفسرون: خطابهم هذا لعامتهم بعد استماع الآيات تنبيه لهم على الجد في التمسك بدين آبائهم، وتحريض لهم عليه

(146) الميزان: 206 / 15.
(147) سورة سبأ، الآيات: 43 - 47
(٣٦٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 355 356 357 358 359 360 361 362 363 364 365 ... » »»
الفهرست