إرسال الرسول البشري. ويكون حينئذ لغوا. فقول الذين كفروا: لولا أنزل إليه ملك. ليس إلا سؤال لأمر لغو. لا يترتب عليه بخصوصه أثر خاص جديد كما رجوا. لقد أخرج كفار مكة ملفات بشرية الرسول التي دونتها الأمم السابقة. ولم يتفكروا ماذا حدث للأمم السابقة؟ لقد أخبرهم الرسول عن ربه: (ألم يأتكم نبأ الذين من قبلكم قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم لا يعلمهم إلا الله جاءتهم رسلهم بالبينات فردوا أيديهم في أفواههم وقالوا إنا كفرنا بما أرسلتم به وإنا لفي شك مما تدعوننا إليه مريب * قالت رسلهم أفي الله شك فاطر السماوات والأرض يدعوكم ليغفر لكم من ذنوبكم ويؤخركم إلى أجل مسمى قالوا إن أنتم إلا بشر مثلنا تريدون أن أن تصدونا عما كان يعبد آباؤنا فأتونا بسلطان مبين) (144) لقد أخبرتهم الرسالة الخاتمة أن سؤالهم ورفضهم لبشرية الرسول ما هو إلا نسخة مكررة على لسان آبائهم من آلاف السنين وكانت الإجابة على ما طرحه آباؤهم تبدو بوضوح على ما تركوه من آثار. ولكن الانحراف لا يفكر إلا بعقلية الانحراف لقد ركبوا سفينة سلفهم التي لا أمل في وصولها إلى بر الأمان. وكما تمنى قوم نوح أن تكون الرسالة في واحد من الأفاضل والأشراف فكذلك فعل أبناؤهم في معسكر الانحراف الذي عاصر الدعوة الخاتمة يقول تعالى: (قالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم) ثم يجيب تعالى على ما طلبوه فيقول لرسوله:
(أهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا ورحمة ربك خير مما يجمعون) (145) قال المفسرون: مرادهم أن الرسالة منزلة شريفة إلهية لا ينبغي أن يتلبس به إلا رجل شريف في نفسه عظيم في قومه والنبي صلى الله عليه وآله وسلم في نظرهم فاقد لهذه الخصلة. فلو كان القرآن الذي جاء به وحيا نازلا من الله، فلو نزل على رجل عظيم من مكة أو الطائف كثير المال رفيع المنزلة. فرد الله تعالى قولهم. ومحصله: أن قولهم هذا تحكم ظاهر ينبغي أن يتعجب منه.
فإنهم يحكمون فيما لا يملكون. هذه معيشتهم في الحياة الدنيا يعيشون ويرتزقون وهي رحمة منا. لا قدر لها ولا منزلة عندنا. وليس إلا متاعا زائلا. نحن نقسمها بينهم وهي خارجة عن مقدرتهم ومشيئتهم. فكيف يقسمون النبوة التي هي