الانحرافات الكبرى - سعيد أيوب - الصفحة ٣٦١
صلى الله عليه وآله وسلم. وفي توصيف الآيات بالبينات نوع عتبى كأنه قيل: إذا تتلى عليهم هذه الآيات. وهي بينة لا ريب فيها. فبدلا من أن يدعوا عامتهم إلى اتباعها. حثوهم على الاصرار على تقليد آبائهم وحرضوا عليه - وفي إضافة الآباء إلى ضمير " كم " مبالغة في التحريض والإثارة وقالوا لأتباعهم: ليس هذا إلا كلاما مصروفا عن وجهه. مكذوبا به على الله. بدلا من أن يقولوا: إنها آيات بينات نازلة من عند الله تعالى. والذين كفروا بعثهم الكفر إلى أن يقولوا للحق الصريح الذي بلغهم وظهر لهم. هذا سحر ظاهر سحريته وبطلانه. والحال أنا لم نعطهم كتبا يدرسونها حتى يميزوا بها الحق من الباطل. ولم نرسل إليهم قبلك رسول ينذرهم ويبين لهم ذلك. فيقولوا استنادا إلى الكتاب الإلهي أو إلى قول الرسول النذير: إنه حق أو باطل (وكذب الذين من قبلهم وما بلغوا معشار ما آتيناهم فكذبوا رسلي فكيف كان نكير) أي: وكذب بالحق من الآيات، الذين كانوا من قبل كفار قريش. من الأمم الماضية. ولم يبلغ كفار قريش عشر ما آتيناهم من القوة والشدة. فكذب أولئك الأقوام رسلي، فكيف كان أخذي بالعذاب، وما أهون أمر قريش. قل لهم: إنما أوصيكم بالعظة أن تنهضوا.
وتنتصبوا لوجه الله. متفرقين حتى يصفوا فكركم ويستقيم رأيكم اثنين اثنين.
وواحدا واحدا. وتتفكروا في أمري. فقد صاحبتكم طول عمري على سداد من الرأي. وصدق وأمانة. ليس في جنة. ما أنا إلا نذير لكم بين يدي عذاب شديد يوم القيامة. فأنا ناصح لكم غير خائن (قل ما سألتكم من أجر فهو لكم...) كناية عن عدم سؤال أجر على الدعوة. فإنه إذا وهبهم كل ما سألهم من أجر.
فليس له عليهم أجر مسؤول. ولازمه أن لا يسألهم. وهذا تطييب لنفوسهم. أن لا يتهموه بأنه جعل الدعوة ذريعة إلى نيل مال أو جاه. ثم تمم القول بقوله: (إن أجري إلا على الله وهو على كل شئ شهيد) لئلا يرد عليه قوله بأنه دعوى غير مسموعة فإن الإنسان لا يروم عملا بغير غاية. فدفعه. بأن لعملي أجر. لكنه على الله لا عليكم وهو يشهد عملي وهو على كل شئ شهيد (148).
لقد أرادوا تهييج العامة والغوغاء، فأمرهم الإسلام بالتفرق وتجنب التجمع والغوغاء. فإن الغوغاء لا شعور لها ولا فكر. وكثير ما تميت الحق وتحيي

(148) الميزان: 389 / 16.
(٣٦١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 356 357 358 359 360 361 362 363 364 365 366 ... » »»
الفهرست