الانحرافات الكبرى - سعيد أيوب - الصفحة ٣٦٦
فيه من أسرار الغيب وملكوت الأشياء. لقالوا: إنما غشيت أبصارنا، فشاهدت أمورا لا حقيقة لها. بل نحن قوم مسحورون وهو قوله تعالى: (ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون * لقالوا إنما سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون) (163) إن طابور الانحراف توغل بأقدامه داخل دروب الظلام ولن يأخذ بأسباب الهدى حتى ولو فتحت له أبواب السماء لينظر بأم عينيه معجزات الله الباهرة. لقد بعث الله فيهم رسولا منهم ليهديهم ولكنهم أغلقوا الأبواب فحقت عليهم كلمة العذاب يقول تعالى لرسوله صلى الله عليه وآله وسلم: (إنك لمن المرسلين * على صراط مستقيم * تنزيل العزيز الرحيم * لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم فهم غافلون * لقد حق القول على أكثرهم فهم لا يؤمنون * إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا فهي إلى الأذقان فهم مقمحون * وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون * وسواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون) (164) قال المفسرون: المعنى: إنما أرسلك وأنزل عليك القرآن لتنذر وتخوف قوما لم ينذر آباءهم فهم غافلون. والمراد بالقوم هو قريش ومن يلحق بهم. وذكرهم وحدهم لا ينفي من عداهم نظرا إلى عموم رسالته. والمراد بالقول الذي حق عليهم. أنه قد وجب العذاب على أكثرهم وذلك لأن الله قد ختم عليهم في أم الكتاب أنهم لا يؤمنون بالله ولا يصدقون رسله (156). وقال تعالى إنا جعلنا هؤلاء المحتوم عليهم بالشقاء نسبتهم إلى الوصول إلى الهدى كنسبة ممن جعل في عنقه غل فجمع يده مع عنقه تحت ذقنه وارتفع رأسه فصار مقمحا ولذا قال تعالى: (فهم مقمحون) أي رافعي رؤوسهم وأيديهم موضوعة على أفواههم فهم مغلولون عن كل خير (وجعلنا من بين أيديهم سدا) عن الحق (ومن خلفهم سدا) عن الحق فهم مترددون (166). و بالجملة غشينا أبصارهم عن الحق فلا ينتفعون بخير ولا يهتدون إليه. أي ركبوا طريق الطمس باختيارهم

(163) سورة الحجر، الآيتان: 14 - 15.
(164) سورة يس، الآيات: 3 - 10.
(165) تفسير ابن كثير: 564 / 3.
(166) تفسير ابن كثير: 564 / 3.
(٣٦٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 361 362 363 364 365 366 367 368 369 370 371 ... » »»
الفهرست