الانحرافات الكبرى - سعيد أيوب - الصفحة ٣٦٨
به. وكما قال تعالى: (إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون * ولو جاءتهم كل آية) (174) ولا منافاة بين إخباره بأنهم سواء أنذروا أم لم ينذروا وبين إنذارهم. لأن في البلاغ إتماما للحجة (175) (ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حي عن بينة) (176).
لقد طالبهم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أن ينظروا في الكون نظر المتدبر البصير كي يحطموا الأصنام بأنفسهم تلك الأصنام القابعة على طريق عقولهم ووجدانهم ولكنهم أبوا إلا طريق الآباء يقول تعالى: (وكأين من آية في السماوات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون * وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون) (177) فأهل هذه الآية هم الذين تعاموا عن آيات الله في الكون وأمسكوا ذيول سلفهم على طريق الانحراف. والله تعالى كتب على نفسه أن يصرف عن آياته كل من يعرض عن سبيل الهدى قال تعالى: (سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق وأن يروا كل آية لا يؤمنوا بها وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا وأن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلا ذلك بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين) (178) قال المفسرون: أي سأضع فهم الحجج والأدلة الدالة على عظمتي وشريعتي وأحكامي قلوب المتكبرين عن طاعتي ويتكبرون على الناس بغير حق. وقال سفيان: أنزع عنهم فهم القرآن وأصرفهم عن آياتي. وقال ابن جرير: هذا يدل على أن هذا الخطاب لهذه الأمة (179) وقال في الميزان: الآية تقييد التكبر في الأرض بغير الحق مع أن التكبر فيها لا يكون إلا بغير الحق. كتقييد البغي في الأرض بغير الحق للتوضيح لا للاحتراز. ويراد به الدلالة على وجه الذم. وأن التكبر كالبغي مذموم لكونه بغير الحق وقوله: (وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا) أي اعتنائهم الشديد ومراقبتهم الدقيقة على

(174) ابن كثير: 565 / 3.
(175) الميزان: 72 / 17.
(176) سورة الأنفال، الآية: 42.
(177) سورة يوسف، الآيتان: 105 - 106.
(178) سورة الأعراف، الآية: 146.
(179) ابن كثير: 247 / 2.
(٣٦٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 363 364 365 366 367 368 369 370 371 372 373 ... » »»
الفهرست