الانحرافات الكبرى - سعيد أيوب - الصفحة ٣٥٠
والشر بأقل منه. وظاهر السياق أن المراد بالعدل في الآية هو العدل الاجتماعي.
وهو أن يعامل كل أفراد المجتمع بما يستحقه. ويوضع في موضعه الذي ينبغي أن يوضع فيه. وهذا أمر من الله بخصلة اجتماعية متوجه إلى الأفراد المكلفين.
بمعنى أن الله سبحانه يأمر كل واحد من أفراد المجتمع أن يأتي بالعدل. ولازم ذلك. أن يتعلق الأمر بالمجموع أيضا. فيكلف المجتمع إقامة هذا الحكم وتتقلده الحكومة بما أنها تتولى أمر المجتمع وتدبره. والإحسان من حيث السياق كسابق. فالمراد به الإحسان إلى الغير. والإحسان على ما فيه من صلاح حال من أذلته الفاقة وما فيه من نشر الرحمة وإيجاد المحبة. يعود محمود أثره إلى نفس المحسن. بدوران الثروة في المجتمع وجلب الأمن. وقوله: (وإيتاء ذي القربى) أي إعطاء المال لذوي القرابة. وهو من أفراد الإحسان. خص بالذكر. ليدل على مزيد العناية بإصلاح هذا المجتمع الصغير. الذي هو السبب بالحقيقة لانعقاد المجتمع المدني الكبير. ومن المعلوم أن المجتمعات المدينة الكبيرة، إنما ابتدأت من مجتمع بيتي. عقده الزواج ثم بسطة التوالد والتناسل.
ووسعه حتى صار قبيلة وعشيرة. ولم يزل يتزايد ويتكاثر. حتى عادت أمة عظيمة (128).
وقوله: (وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي) الفحشاء ما عظم قبحه من الأفعال والأقوال. والمنكر ما لا يعرفه الناس في مجتمعهم من الأعمال التي تكون متروكة عندهم لقبحها أو إثمها. كالمواقعة أو كشف العورة في مشهد من الناس في المجتمعات الإسلامية. والبغي المراد به في الآية التعدي على الغير ظلما. وهذه الثلاثة: الفحشاء. المنكر. البغي. إذا أصابت مجتمع من المجتمعات ظهر الفعل الفاحش بين الأعمال المجتمعة فيه الصادرة من أهله.
فينقطع بعضها من بعض. ويبطل الالتئام بينها. وتفسد بذلك النظم. ويخل المجتمع في الحقيقة. وإن كان على ساقه. وفي ذلك هلاك سعادة الأفراد.
فالنهي عن الفحشاء والمنكر والبغي. أمر بحسب المعنى. باتحاد مجتمع تتعارف أجزاؤه. وتتلاءم أعماله. لا يستعلي بعضهم على بعض بغيا، ولا يشاهد بعضهم من بعض إلا الجميل الذي يعرفونه، لا فحشاء ولا منكرا، وعند

(128) الميزان: 330 / 12.
(٣٥٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 345 346 347 348 349 350 351 352 353 354 355 ... » »»
الفهرست