تعبيرهم عنه صلى الله عليه وآله وسلم بقولهم: (هذا الرسول) مع تكذيبهم برسالته مبني على التهكم والاستهزاء. وقولهم، (ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في السواق) إن الرسالة لا تجامع أكل الطعام والمشي في الأسواق لاكتساب المعاش. فإنها اتصال غيبي لا يجامع التعلقات المادية وليست إلا من شؤون الملائكة. وقولهم: (لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا) أي كيف يكون هذا المدعي للرسالة رسولا وهو يأكل الطعام ويمشي في السواق والرسول لا يكون إلا ملكا منزها عن هذه الخصال المادية. فإن سلمنا برسالته وهو بشر.
فلينزل إليه ملك يكون معه نذيرا. ليتصل الانذار وتبليغ الرسالة بالغيب وسط الملك و (أو يلقى إليه كنز) أي إن لم ينزل إليه ملك. واستقل بالرسالة وهو بشر. فليلق إليه من السماء كنز. حتى يصرف منه في وجوه حوائجه المادية. و يكدح في الأسواق في اكتساب ما يعيش به. ونزول الكنز إليه أسهل من نزول الملك إليه ليعينه في تبليغ الرسالة (أو تكون له جنة يأكل منها) وإن لم يلق إليه كنز. فليكن له جنة يأكل منها. ولا يحتاج إلى كسب المعاش وهذا أسهل من إلقاء الكنز إليه.
(وقال الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا) المراد بالظالمين هم المقترحون السابقوا الذكر - كما قيل - وقولهم: (إن تتبعون) خطاب منهم للمؤمنين. تعبيرا لهم وإغواء عن طريق الحق. ومرادهم بالرجل المسحور النبي صلى الله عليه وآله وسلم. يريدون أنه مسحور. سحره بعض السحرة. فصار يخيل إليه أنه رسول. يأتيه ملك بالرسالة والكتاب. وقوله تعالى: (أنظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا) محصلة: أنظر كيف وصفوك.
فضلوا فيك ضلالا لا يرجى معه اهتداؤهم إلى الحق. كقولهم إنه يأكل الطعام ويمشي في الأسواق فلا يصلح للرسالة. لأن الرسول يجب أن يكون شخصا غيبيا لا تعلق له بالمادة! ولا أقل من عدم احتياجه إلى الأسباب العادية في تحصيل المعاش. وكقولهم: إنه رجل مسحور (فضلوا فلا يستطيعون سبيلا) أي تفرع على هذه الأمثال التي ضربوها لك أنهم ضلوا ضلالا لا يستطيعون معه أن يردوا سبيل الحق. ولا يرجى لهم معه ركوبها ثانيا. وربما استدبرها فصار كلما أمعن في مسيره زاد منها بعدا. ومن سمى كتاب الله بالأساطير ووصف رسوله بالمسحور ولم يزل