يزيد تعنتا ولجاجا واستهزاء بالحق. كيف يرجى اهتداؤه وحاله هذه؟ وقوله تعالى: (تبارك الذي إن شاء جعل لك خيرا من ذلك جنات تجري من تحتها الأنهار ويجعل لك قصورا) الإشارة في قوله: (من ذلك) إلى ما اقترحوه من قولهم: أو تكون له جنة يأكل منها) أو إلى مجموع ما ذكروه من الكنز والجنة. ولم يقل سبحانه: قل إن شاء ربي جعل كذا وكذا. بل عدل إلى قوله:
(تبارك الذي إن شاء جل لك..) وفيه تلويح إلى أنهم لا يستحقون جوابا.
ولا يصلحون لأن يخاطبوا. لأنهم على علم بفساد ما اقترحوا به عليه. النبي صلى الله عليه وآله وسلم. لم يذكر لهم إلا أنه بشر مثلهم يوحى إليه. ولم يدع أن له قدرة غيبية وسلطنة إلهية على كل ما يريد أو يراد منه. أعرض سبحانه عن مخاطبتهم وعن الجواب عما اقترحوه. وإنما ذكر لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم.
أن ربه الذي اتخذه رسولا وأنزل عليه الفرقان ليكون للعالمين نذيرا. قادر على أعظم مما يقترحونه. فإن شاء جعل له خيرا من تلك جنات تجري من تحتها الأنهار، ويجعل له قصورا، لا يبلغ وصفها واصف، وذلك خير من أن يكون له جنة يأكل منها أو يلقى إليه كنز ليصرفه في حوائجه.
وبهذا المقدار يتحصل جوابهم فيما اقترحوه من الكنز والجنة. وأما نزول الملك إليه ليشاركه في الانذار ويعينه على التبليغ. فلم يذكر جواب عنه لظهور بطلانه. وقد أجاب تعالى في مواضع بأجوبة مختلفة (137) منها: (وقالوا لولا أنزل عليه ملك ولو أنزلنا ملكا لقضي الأمر ثم لا ينظرون * ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا وللبسنا عليهم ما يلبسون) (138) إن الله لو أنزل عليهم ملك بالرسالة لم ينفعهم ذلك في رفع حيرتهم. فإن الله جاعل الملك عندئذ رجلا يماثل الرسول البشري. وهم لابسون على أنفسهم معه يتشككون. فإنهم لا يريدون بهذه المسألة إلا أن يتخلصوا من الرسول البشري. الذي هو في صورة رجل. ليبدلوا بذلك شكهم يقينا. وإذا صار الملك على هذا النعت - ولا محالة - فهم لا ينتفعون بذلك شيئا.