الواهية التي صاغوا لتحفظ لهم سنتهم القومية وترتع فيها أهواؤهم. وتعرية الإسلام لطريق الانحراف الهدف منه إقامة حجة الصراط المستقيم. ولم يكن الهدف في يوم من الأيام إكراه الناس على الإيمان. كما ادعى طابور الانحراف . الشذوذ على امتداد تاريخه. قال تعالى لرسوله: " وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر " (123) قال المفسرون: والمعنى في الآيات: لا تأسف عليهم. واتل ما يوحى إليك واصبر نفسك مع المؤمنين الفقراء وقل للكفار: الحق من ربكم. ولا تزد على ذلك. فمن شاء منهم أن يؤمن فليؤمن ومن شاء منهم أن يكفر فليكفر. فليس ينفعنا إيمانهم ولا يضرنا كفرهم. بل ما في ذلك من نفع أو ضرب وثواب أو تبعه عذاب عائد إليهم أنفسهم فليختاروا ما شاؤوا فقد اعتدنا للظالمين النار وللصالحين جنات تجري من تحتها الأنهار (124) وقال تعالى: " إن تكفروا فإن الله غني عنكم ولا يرضى لعباده الكفر وإن تشكروا يرضه لكم " (125) قال المفسرون: أي إن تكفروا بالله فلم توحدوه. فإنه غني عنكم لذاته لا ينتفع بإيمانكم وطاعتكم ولا يتضرر بكفركم ومعصيتكم. فالنفع والضرر إنما يتحققان في مجال الإمكان والحاجة. وأما الواجب الغني بذاته فلا يتصور في حقه انتفاع ولا تضرر وقوله: (ولا يرضى لعباده الكفر) دفع لما ربما يمكن أن يتوهم من قوله: (فإن الله غني عنكم) إنه إذا لم يتضرر بكفر ولم ينتفع بإيمان. فلا موجب له أن يريد منا الإيمان والشكر فدفعه بأن تعلق العناية الإلهية بكم يقتضي أن لا يرضى بكفركم وأنتم عباده. والمراد بالكفر كفر النعمة الذي هو ترك الشكر بقرينة مقابلة قوله: (وإن تشكروا يرضه لكم) والمحصل: أنكم عباد مملوكون لله سبحانه منغمرون في نعمه ورابطة المولوية والعبودية. وهي نسبة المالكية والمملوكية. لا تلائمه أن يكفر العبد بنعمة سيده فينسى ولاية مولاه ويتخذ لنفسه أولياء من دونه ويعصي المولى ويطيع عدوه وهو عبد عليه طابع العبودية لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا (126).
(٣٤٧)