الله وقطع عنه أسباب الهداية وفي معناه قوله تعالى: " إنك لا تهدي من أحبت " (117) وقوله: " وما أنت بمسمع من في القبور " (118) والآية كالإكمال للتفصيل الذي في قوله: " أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه مجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله " (119).
ثم يقول الله تعالى لرسوله: بل أتظن أن أكثرهم لهم استعداد لسماع الحق ليتبعه. أو استعداد عقل الحق ليتبعه فترجوا اهتداءهم فتبالغ في دعوتهم (إن هم إلا كالأنعام) أي أن أكثرهم لا يسمعون ولا يعقلون. أي أنهم ليسوا إلا كالأنعام والبهائم في أنها لا تعقل ولا تسمع إلا اللفظ دون المعنى (بل أضل سبيلا) أي من الأنعام. وذلك أن الأنعام لا تقتحم على ما يضر ها. وهؤلاء يرجحون ما يضرهم على ما ينفعهم. وأيضا الأنعام إن ضلت عن سبيل الحق. فإنها لم تجهز في خلقتها بما يهديها إليه. وهؤلاء مجهزون وقد ضلوا (120).
إن طابور الأهواء لم يبنوا شركهم على التعقل. بل اتبعوا في ذلك أهواءهم بغير علم. لقد ظلموا أنفسهم أولا فأدى بهم هذا الظلم إلى ركوب طريق الضلال. يقول تعالى: " بل اتبع الذين ظلموا أهواءهم بغير علم فمن يهدي من أضل الله " (121) قال المفسرون: كان مقتضى الظاهر أن يقال: بل اتبع الذين أشركوا. ولكنه قال: (بل اتبع الذين ظلموا) فوصفهم بالظلم ليتعلل به ما سيصفهم بالضلال بعد ذلك في قوله: (فمن يهدي من أضل الله) فالظلم يستتبع الإضلال الإلهي. قال تعالى: (يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين * ويفعل الله ما يشاء) * (122).
إن الرسالة الخاتمة كانت رحمة من الله للعالمين. لقد قامت بتعرية طريق السلف الذي التقط المنهج الشيطاني. في أول الطريق. وقام بتعرية حججهم