الانحرافات الكبرى - سعيد أيوب - الصفحة ٣٤٥
إلى الوحي الإلهي ولم ينته إليه فهو هوى من أهواء الجاهلين غير منتسب إلى العلم. قوله: (إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئا) أي أن لك إلى الله سبحانه حوائج ضرورية لا يرفعها إلا هو. والذريعة إلى ذلك اتباع دينه لا غير. فلا يغني عنك هؤلاء الذين اتبعت أهواءهم شيئا من الأشياء إليها الحاجة أو لا يغني شيئا من الإغناء. قوله: (إن الظالمين بعضهم أولياء بعض والله ولي المتقين) المراد بالظالمين المتبعون لأهوائهم المبتدعة وبالمتقين المتبعين لدين الله. والمعنى:
إن الله ولي الذين يتبعون دينه لأنهم متقون والله وليهم. والذين يتبعون أهواء الجهلة. ليس هو تعالى وليا لهم. بل بعضهم أولياء بعض لأنهم ظالمون.
حتى يكونوا أولياء لك لا يغنون عنك من الله شيئا. وتسمية المتبعين لغير دين الله بالظالمين هو الموافق (113) لما يستفاد من قوله تعالى: (أن لعنة الله على الظالمين * الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا وبالآخرة هم كافرون (114).
فأهل الأهواء بجميع أنواعها وألوانها يربطهم جميعا رباط واحد. ويسرون في اتجاه واحد يحدده طريق الطمس الذي يسير القردة عليه أدلة لمن خلفهم.
وهم ما سلكوا هذا الطريق إلا بعد أن رفضوا الطريق الحق. قال تعالى لرسوله:
" أرأيت من تخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلا * أم تحسب أن أكثر هم يسمعون أو يعقلون إن هم كالأنعام بل هم أضل سبيلا " (115) قال المفسرون: المراد باتخاذ الهوى إلها: طاعته واتباعه من دون الله. وقد أكثر الله سبحانه في كتابه ذم اتباع الهوى. وعد طاعة الشئ عبادة له في قوله: " ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين * وأن اعبدون " (116) وقوله: (أفأنت تكون عليه وكيلا) أي لست أنت وكيلا عليه قائما على نفسه وبأموره حتى تهديه إلى سبيل الرشد. فليس في مقدرتك ذلك. وقد أضله

(113) الميزان: 167 / 18.
(114) سورة الأعراف، الآيتان: 44 - 45.
(115) سورة الفرقان، الآيتان: 43 - 44.
(116) سورة يس، الآيتان: 60 - 61.
(٣٤٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 340 341 342 343 344 345 346 347 348 349 350 ... » »»
الفهرست