فالطريق التي تنتهي بالإنسان إلى سعادته. أعني الإعتقادات والأعمال الخاصة المتوسطة بينه وبين سعادته. وهي التي تسمي بالدين وسنة الحياة. فتعينه حسب اقتضاء النظام العام الكوني والنظام الخاص الإنساني الذي نسميه الفطرة وتابعه لذلك. وهذا هو الذي يشير إليه تعالى بقوله: " فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها " (110) فسنة الحياة التي تنتهي بسالكها إلى السعادة الإنسانية طريقة متعينة يقتضيها النظام بالحق. وتكشف عنها تجهيزات وجوده بالحق. وهذا الحق هو القوانين الثابتة غير المتغيرة التي تحكم في النظام الكوني الذي أحد أجزائه النظام الإنساني. وتدبره وتسوقه إلى غاياته وهو الذي قضى به الله سبحانه فكان حتما مقضيا. فلو اتبع الحق أهواءهم. فاقتضى لهم من الشرع ما تجازف به أهواؤهم. لم يكن ذلك إلا بتغير أجزاء الكون عما هي عليه وتبدل العلل والأسباب غيرها. وتغير الروابط المنتظمة إلى روابط جزافية مختلة متدافعة توافق مقتضياتها ومجازفات أهوائهم. وفي ذلك فساد السماوات والأرض ومن فيهن في أنفسها والتدبير الجاري فيها. لأن كينونتها وتدبيرها مختلطان غير متمايزين. والخلق والأمر متصلان غير منفصلين (111) بين لهم أن أهل الأهواء يطالبون بتشريع ينسجم مع ما يهوونه من الإعتقاد والعمل وما يريدوه من الفحشاء والمنكر والفساد. وبما أن الهوى لا يقف عند حد ولا يستقر على قرار. فإنهم يريدون مع كل جيل كونا جديدا ينسجم مع حركتهم. وهذا خبر فطرة الوجود.
ولكن طابور الأهواء في معسكر الانحراف وقف على حطام حججه التي حطمها الإسلام له. أمسك بذيول آبائه ليكمل مسيرة الانحراف حتى نهايتها. وبعد قيام الحجة عليه أوصى تعالى إلى رسوله: " ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون * إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئا وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض والله ولي المتقين " (112) قال المفسرون: أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وآله وسلم باتباع ما يوحي إليه من الدين وأن لا يتبع أهواء الجاهلين المخالفة للدين الحق. ويظهر من الآية. أن كل حكم عملي لم يستند