الانحرافات الكبرى - سعيد أيوب - الصفحة ٣٣٦
تخلف مراده عن إرادته. لكنا نعبد غيره ونحرم أشياء فليس يشاء شيئا من ذلك فلا نهي ولا أمر منه تعالى. ولا شريعة ولا رسالة من قبله.
هذا تقرير حجتهم على ما يعطيه السياق ومغزى مرادهم. أن عبادتهم لغير الله وتحريمهم لما حرموه. وبالجملة عامة أعمالهم. لم تتعلق بها مشيئة من الله بنهي ولو تعلقت لم يعملوها ضرورة. وقوله تعالى: (كذلك فعل الذين من قبلهم فهل على الرسل إلا البلاغ المبين) خطاب للنبي صلى الله عليه وآله وسلم. يأمره أن يبلغ رسالته بلاغا مبينا. ولا يعتني بما لفقوه من الحجة فإنها داحضة والحجة التامة عليهم بالبلاغ. فقوله: (كذلك فعل الذين من قبلهم) أي على هذا الطريق الذي سلكه هؤلاء. سلك الذين من قبلهم. فعبدوا غير الله وحرموا ما لم يحرم الله. ثم إذا جاءتهم رسلهم ينهونهم عن ذلك قالوا: (لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شئ نحن ولا آباؤنا..) وقوله: (فهل على الرسل إلا البلاغ المبين) أي بلغهم الرسالة بلاغا مبينا تتم به الحجة عليهم. فإنما وظيفة الرسل البلاغ المبين. وليس من وظيفتهم أن يلجئوا الناس إلى ما يدعونهم إليه وينهونهم عنه. ولا أن يحملوا معهم إرادة الله الموجبة التي لا تتخلف عن المراد. ولا أمره الذي إذا أراد شيئا قال له كن فيكون. حتى يحولوا بذلك الكفر إلى الإيمان. ويضطروا العاصي على الطاعة.
فإنما الرسول بشر مثلهم. الرسالة التي بعث بها إنذار وتبشير. وهي مجموعة قوانين اجتماعية. أوحاها إليه الله. فيها صلاح الناس في دنيا هم وآخرتهم. صورتها صورة الأوامر والنواهي المولوية. وحقيقتها الإنذار والتبشير قال تعالى: " قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم إني ملك " (84) فهذا ما أمر به نبيه صلى الله عليه وآله وسلم أن يبلغهم. وقد أمر به نوحا ومن بعده من الرسل عليهم السلام أن يبلغوه أممهم (85) ولقد بعث الله تعالى في كل أمة رس. ل. وما كانت حقيقة بعث الرسول إلا أن يدعوهم إلى عبادة الله واجتناب الطاغوت ومن الدليل على ذلك آثار الأمم الماضية الظالمة التي

(84) سورة الأنعام، الآية: 50.
(85) الميزان: 241 / 12.
(٣٣٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 331 332 333 334 335 336 337 338 339 340 341 ... » »»
الفهرست