الانحرافات الكبرى - سعيد أيوب - الصفحة ٣٤١
الليل إلى الدجال. وهم يظنون أن الحسنات والسيئات تلقى عليهم من السماء ليصيب الله بها من يشاء ولا دخل لهم فيما يقترفوه من سيئات. لقد جاء الإسلام ليصحح هذه المفاهيم ليهلك من هلك عن بينة. مبينا أن لكل شئ غاية فمثلا الحياة النباتية لشجرة ما تؤدي إلى إثمارها ثمرة كذا. فهذه الثمرة هي غاية وجودها - فإذا كان هذا هو حال النبات. فما بالك بالإنسان. إن الإنسان له هدف وغاية وعلى امتداد طريقه يصيب الحسنات والسيئات، والحسنات هي الأمور التي يستحسنها الإنسان بالطبع. كالعافية والنعمة والأمن. وكل ذلك من الله.
والسيئات هي الأمور التي تسوء الإنسان كالمرض والذلة والمسكنة والفتنة. وكل ذلك يعود إلى الإنسان إليه سبحانه. يقول تعالى: " ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وأن الله سميع عليم " (100) لا ينافي ذلك رجوع جميع الحسنات والسيئات بنظر كلي آخر إليه تعالى. كما قال سبحانه: " وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك قل كل من عند الله فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا * ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك " (101) وقال في الميزان: وإياك أن تظن أن الله سبحانه حين أوحى هذه الآية إلى نبيه صلى الله عليه وآله وسلم نسي الحقيقة الباهرة التي أبانها بقوله: " الله خالق كل شئ (102) وقوله: " الذي أحسن كل شئ خلقه " (103) فعد سبحانه كل شئ مخلوقا حسنا في نفسه. وقد قال جل شأنه: (وما كان ربك نسيا) (104) وقال: " لا يضل ربي ولا نسي " (105) فمعنى قوله (ما أصابك من حسنة) (الآية) أن ما أصابك من حسنة - وكل ما أصابك حسنة - فمن الله. وما أصابك من سيئة فهي سيئة بالنسبة إليك حيث لا يلائم ما تقصده وتشتهيه وإن كانت في نفسها حسنة فإنما جرتها إليك نفسك باختيار ها السيئ. واستدعتها كذلك من

(100) سورة الأنفال، الآية: 53.
(101) سورة النساء، الآيتان: 78 - 79.
(102) سورة الزمر، الآية: 62.
(103) سورة السجدة، الآية: 7.
(104) سورة مريم، الآية: 64.
(105) سورة طه، الآية: 52.
(٣٤١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 336 337 338 339 340 341 342 343 344 345 346 ... » »»
الفهرست