الانحرافات الكبرى - سعيد أيوب - الصفحة ٣٣٩
بمعظم القافلة البشرية أن تسير بلا هدف. يقترفون كل منكر تحت لافتة لقد أمر الله بهذا ويحرفون كل نص ويقولون لقد شاء الله ذلك ولو شاء غير ذلك ما حرفنا وما تأولنا وما سرنا وراء من ترفضون. إن القول بالجبر لم يقل الإسلام به. لأنه لو قال به لما أقام حجته على العقلاء الذين يقولون أن الخير يجب أن يؤثر والحسن يجب أن يفعل والقبيح يجب أن يجتنب عنه. ويقولون بأنه لا بد من جزاء ومجازاة الإحسان بالإحسان والإساءة. ومن أحكامهم أن الأمر والنهي وكل حكم تشريعي لا يتوجه إلا إلى المختار دون المضطر والمجبر على الفعل. فلو أنه سبحانه أجبر على الطاعات أو المعاصي. لم يكن جزاء المطيع بالجنة والعاصي بالنار إلا جزافا في مورد المطيع. وظلما في مورد العاصي والجزاف والظلم قبيحان عند العقلاء. ولا حجة في قبيح.
ولكن الإسلام جاء بما تستقيم عليه الفطرة لتغمر الحجة جميع العقلاء والأغبياء وقد قال تعالى: " لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل " (90) ويقول: " ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حي عن بينة " (91) يقول صاحب الميزان (92): إن التشريع ليس مبنيا على أساس الجبر في الأفعال. فالتكاليف مجعولة على وفق مصالح العباد في معاشهم أولا. وهي متوجهة إلى العباد من حيث أنهم مختارون في الفعل والترك ثانيا. والمكلفون إنما يثابون أو يعاقبون بما كسبت أيديهم من خير وشر اختيارا. كما أن ما ينسبه القرآن إلى الله تعالى من الإضلال والخدعة والمكر والإمداد في الطغيان وتسليط الشيطان وتوليته على الإنسان وتقييض القرين ونظائر ذلك جميعها منسوب إليه تعالى على ما يلائم ساحة قدسه ونزاهته تعالى عن ألوان النقص والقبح والمنكر. فإن جميع هذه المعاني راجعة في النهاية إلى الاضلال وشعبه وأنواعه. ليس كل إضلال حتى إضلال البدوي وعلى سبيل الإغفال المنسوب إليه ولا لائق بجنابه تعالى. بل الثابت له الإضلال مجازاة وخذلانا لمن يستقبل بسوء اختياره ذلك كما قال

(90) سورة النساء، الآية: 165.
(91) سورة الأنفال، الآية: 42.
(92) الميزان: 95 / 1.
(٣٣٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 334 335 336 337 338 339 340 341 342 343 344 ... » »»
الفهرست