(فأنى تؤفكون) أي إلى متى تصرفون عن الحق (قل هل من شركائكم من يهدي إلى الحق قل الله يهدي للحق) وتوضيح ذلك.. أن من المرتكز في الفطرة الإنسانية. وبه يحكم عقله. إن من الواجب على الإنسان أن يتبع الحق.
والهادي إلى الحق واجب اتباعه لما عنده من الحق. ومن الحق. ومن الواجب ترجيحه على من لا يهدي إليه. أو يهدي إلى غيره. لأن اتباع الهادي إلى الحق اتباع لنفس الحق الذي معه وجوب اتباعه ضروري. وقد اعتمد في الحجة على هذه المقدمة الضرورية. فافتتح بسؤالهم عن شركائكم. هل فيهم شركاءهم. هل فيهم من يهدي إلى الحق؟ ومن الواضح أن لا جواب للمشركين في ذلك. لأن شركاءهم سواء أكانوا جمادا غير ذي حياة كالأوثان والأصنام. أم كانوا من الأحياء كالملائكة وأرباب الأنواع والجن والطواغيت من فرعون ونمرود وغيرهما. لا يملكون لأنفسهم ضرا ولا نفعا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا. وإذا لم يكن للمشركين جواب في ذلك. أمر الله نبيه صلى الله عليه وآله وسلم أن يجيب بإثباتها لله فقال: (قل الله يهدي للحق) فإن الله سبحانه هو الذي يهدي كل شئ إلى مقاصده التكوينية والأمور التي يحتاج إليها في بقائه كما في قوله: " ربنا الذي أعطى كل شئ خلقه ثم هدى " (74) وقوله: " الذي خلق فسوى * والذي قدر فهدى " (75) وهو الذي يهدي الإنسان إلى سعادة الحياة ويدعوه إلى الجنة والمغفرة بإذنه. بإرسال الرسل وإنزال الكتب وتشريع الشرائع. وأمرهم ببث الدعوة الحقة الدينية بين الناس.. وإذ تحقق أنه ليس من شركائهم من يهدي إلى الحق. وأن الله سبحانه يهدي إلى سألهم بقوله: (أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا يهدى) أن يقضوا في الترجيح بين أتباعه تعالى وأتباع شركائهم. وهو تعالى يهدي إلى الحق وهم لا يهدون ولا يهتدون إلا بغيرهم. ومن المعلوم أن الرجحان لمن يهدي على من لا يهدى أي لا تباعه تعالى على أتباعهم. والمشركون يحكمون بالعكس.
ولذلك لامهم ووبخهم بقوله: " فما لكم كيف تحكمون " (76).