الانحرافات الكبرى - سعيد أيوب - الصفحة ٣٢٥
ولا يقوم إلا على ذكر. لا يوطن الأماكن وينهى عن إبطانها (50) إذا انتهى إلى قوم جلس حيث ينتهي به المجلس ويأمر بذلك. ويعطي كل جلسائه نصيبه، ولا يحسب أحد من جلسائه أن أجدا أكرم عليه منه. من جالسه صابره حتى يكون هو المنصرف، من سأله حاجة لم يرجع إلا بها أو بميسور من القول، قد وسع الناس منه خلقه فصار لهم أبا، وكانوا عنده في الحق سواء. مجلسه مجلس حلم وحياء وصدق وأمانة. لا ترفع فيه الأصوات. ولا يؤمن فيه الحرم (51). ولا تثنى فلتأته (52) متعادلين، متواصلين فيه بالتقوى، متواضعين، يوقرون الكبير، ويرحمون الصغير، ويؤثرون ذا الحاجة، ويحفظون الغريب. قال الحسين عليه السلام فقلت: كيف كانت سيرته صلى الله عليه وآله وسلم في جلسائه؟ فقال:
كان صلى الله عليه وآله وسلم دائم البشر (53). سهل الحلق، لين الجانب، ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب (54) ولا فحاش ولا عياب، ولا مداح، يتغافل عمالا يشتهي فلا يؤيس منه ولا يخيب منه مؤمنيه. قد ترك نفسه من ثلاث: المراء والإكثار وما لا يعنيه. وترك الناس من ثلاث: كان لا يذم أحدا ولا يعيره. ولا يطلب عثراته ولا عوراته. ولا يتكلم إلا فيما رجى ثوابه. وإذا تكلم أطرق جلساؤه كان على رؤوسهم الطير. فإذا سكت تكلموا. ولا يتنازعون عنده الحديث. من تكلم انصتوا له حتى يفرغ حديثهم عنده حديث أوليتهم (55)، يضحك مما يضحكون منه، ويتعجب مما يتعجبون منه، ويصبر للغريب على الجفوة في مسألته ومنطقه. حتى إن كان أصحابه يستجلبونهم (56). ويقول: إذا رأيتم طالب الحاجة يطلبها فارفدوه، ولا يقبل الثناء إلا من مكافئ (57). ولا يقطع على أحد

(50) أي لا يعين لنفسه مجلسا خاصا بين الجلساء حذرا من القصور.
(51) أي لا تعاب عنده حرمات الناس.
(52) أي إذا وقعت فيه عثرة من أحد جلسائه بينها لهم ليحذروا من الوقوع فيها ثانيا.
(53) البشر: بشاشة الوجه.
(54) الصخاب: الشديد الصياح.
(55) أي كانوا يتكلمون عنده الواحد بعد الآخر بالتناوب من غير أن يداخل أحدهم كلام الآخر.
(56) أي يريدون جلبهم عنه وتخليصه منهم.
(57) أي في مقابل نعمة أنعمها على أحدهم وهو الشكر الممدوح.
(٣٢٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 320 321 322 323 324 325 326 327 328 329 330 ... » »»
الفهرست