الانحرافات الكبرى - سعيد أيوب - الصفحة ٢٣٢
وبعد أن قام المؤمن بتشخيص حالة القوم، قام بوصف المسرف المرتاب فقال: (الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم كبر مقتا عند الله وعند الذين آمنوا كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار) (66 () قال المفسرون:
وصف لكل مسرف مرتاب، فإن من تعدى طوره بالإعراض عن الحق واتباع الهوى، واستقر في نفسه الارتياب، فكان لا يستقر على علم ولا يطمئن إلى حجة تهديه إلى الحق، جادل في آيات الله بغير برهان إذا خالفت مقتضى هواه، وقوله: (كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار) يفيد أن قلوبهم مطبوع عليها فلا يفقهون حجة ولا يركنون إلى برهان (167) ومن كانت هذه صفته لا يعرف بعد ذلك معروفا ولا ينكر منكرا (168).
كان الرد الفرعوني. على هذا العلم الواسع. هو رد المسرف الكذاب والمسرف المرتاب والمتكبر الجبار، لقد أشار إلى مجموعة عمله (وقال فرعون يا هامان ابن لي صرحا لعلي أبلغ الأسباب * أسباب السماوات فأطلع إلى إله موسى وإني لأظنه كاذبا وكذلك زين لفرعون سوء عمله وصد عن السبيل وما كيد فرعون إلا في تباب) (169) قال المفسرون: أمر منه لوزيره هامان أن يبني له بناء يتوصل به إلى الاطلاع إلى إله موسى! ولعله أصدر هذا الأمر أثناء محاجة الذي آمن، ولذلك وقع ذكره بين مواعظ الذي آمن واحتجاجاته، والمعنى: آمرك يا هامان ببنائه، لأني أرجو أن أبلغ بالصعود عليه الأسباب، ثم فسر الأسباب بقوله: (أسباب السماوات) وفرع عليه قوله: (فأطلع إلى إله موسى) كأنه يقول: أن الإله الذي يدعوه ويدعو إليه موسى ليس في الأرض إذ لا إله فيها غيري. فلعله في السماء، فابن لي صرحا لعلي أبلغ بالصعود عليه الأسباب السماوية الكاشفة عن خبايا السماء، فأطلع من جهتها إلى إله موسى وإني لأظنه كاذبا. وقيل: إن مراده أن يبني له رصدا يرصد فيه الأوضاع السماوية لعله يعثر فيها على ما يستدل به على وجود إله موسى. بعد اليأس من الظفر عليه بالوسائل

(166) سورة غافر، الآية: 35.
(167) الميزان.
(168) ابن كثير: 79 / 4.
(169) سورة غافر، الآيتان: 36 - 37.
(٢٣٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 227 228 229 230 231 232 233 234 235 236 237 ... » »»
الفهرست