الأرضية. وهذا لا يستقيم على شئ من مذاهب الوثنية، ولعل فرعون قال ذلك تمويها على الناس أو جهلا منه، وما هو من الظالمين ببعيد، ولقد زين الشيطان له قبيح عمله فرآه حسنا، وصده عن سبيل الرشاد، فرأى انصداده عنها ركوبا عليها، فجادل في آيات الله بالباطل، وأتى بمثل هذه الأعمال القبيحة والمكائد السفهية لإدحاض الحق ولذلك ختمت الآية (وما كيد فرعون إلا في تباب) أي هلاك وانقطاع (170).
وبعد صدور الأوامر ببناء الصرح من الذي يقول لقومه: (ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد) هرول الجميع من أجل تنفيذ التعليمات الفرعونية (وقال فرعون يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري فأوقد لي يا هامان على الطين فاجعل لي صرحا لعلي أطلع إلى إله موسى وإني لأظنه من الكاذبين * واستكبر هو وجنوده في الأرض بغير الحق وظنوا أنهم إلينا لا يرجعون) (171) إنها ثقافة عقيدة الشمس. فالقوم يعتقدون أن الآلهة في الفضاء أجسام تحل أرواحها على الأرض في أصنام من حجارة وأصنام من بشر، لقد كان فرعون الذي يهدي قومه سبيل الرشاد يرى أن الله تعالى جسم ساكن في بعض طبقات الجو أو في الأفلاك! فكان يرجو إذا نظر من الصرح أن يطلع إليه، وهو يعلم أنه لن يستطيع أن يقدم لقومه دليلا واحدا على أنه الآلهة (آمون) و (رع) وغيرهما لهم وجود في الفضاء أو في الأرض، لأن أوثانه لا توجد إلا داخل الأساطير الخرافية التي زينها الشيطان ثم احتوتها مدارس الفراعنة! إن الأمر ببناء الصرح كان له أهداف سياسية يريد بها التعمية على الناس وإضلالهم، إنها سياسة ما أريكم إلا ما أرى. التي تصب في إناء ابن آمون، ولأنها سياسة خالية من الرشد والرشاد، خاطب المؤمن قوم فرعون كما يقول تعالى: (وقال الذي آمن يا قوم اتبعون أهدكم سبيل الرشاد * يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع وإن الآخرة هي دار القرار) (172).
قال المفسرون: دعاهم إلى اتباعه ليهديهم، واتباعه اتباع لموسى. وفي