الانحرافات الكبرى - سعيد أيوب - الصفحة ٢٣٤
قوله: (أهدكم سبيل الرشاد) تعريض لفرعون حيث قال: (ما أهديكم إلا سبيل الرشاد) ثم بين لهم أن الذي يستند إليه سلوك سبيل الرشاد، ولا يستغني عنه الدين الحق هو الإعتقاد بأن للإنسان حياة خالدة مؤبدة.. هي الحياة الآخرة، وأن هذه الحياة الدنيا متاع في الآخرة، ومقدمة مقصودة لأجلها، ولذلك بدء به في بيان سبيل الرشاد. ثم ذكر السيئة والعمل الصالح (من عمل سيئة فلا يجزى إلا مثلها ومن عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب) (173) فقد أجمع الدين الحق، وهو سبيل الرشاد في أوجز بيان، وهو أن للإنسان دار قرار، يجزى فيها بما عمل في الدنيا من عمل سئ أو صالح، فليعمل صالحا ولا يعمل سيئا، وزاد بيانا، إذ أفاد أنه إن عمل صالحا يرزق بغير حساب (174).
ثم ختم المؤمن الذي يعيش في ديار الاستكبار بيانه بدعوة لا يرفضها إلا مسرف مرتاب ومتكبر جبار قال: (ويا قوم ما لي أدعوكم إلى النجاة وتدعونني إلى النار * تدعونني لأكفر بالله وأشرك به ما ليس لي به علم وأنا أدعوكم إلى العزيز الغفار * لا جرم أنما تدعونني إليه ليس له دعوة في الدنيا ولا في الآخرة وأن مردنا إلى الله وأن المسرفين هم أصحاب النار * فستذكرون ما أقول لكم وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد) (75 () قال المفسرون: قال: يا قوم ما لي أدعوكم إلى النجاة، أي النجاة من النار، وتدعونني إلى النار. وقد كان يدعوهم إلى سبب النجاة، ويدعونه إلى سبب دخول النار، ثم فسر ما دعوه إليه وما دعاهم إليه. فقال: تدعونني لأكفر. أي إلى أن أكفر بالله وأشرك به ما ليس لي به علم، أي أشرك به شيئا لا حجة لي على كونه شريكا، فأفتري على الله بغير علم، وأنا أدعوكم إلى العزيز الذي يغلب ولا يغلب، الغفار لمن تاب إليه وآمن به، أي أدعوكم إلى الإيمان به والإسلام له.. لقد ثبت ثبوتا أن ما تدعونني إليه، مما تسمونه شريكا له سبحانه. ليس له دعوة في الدنيا. إذ لم يعهد نبي أرسل إلى الناس من ناحية ليدعوهم إلى عبادته، ولا في الآخرة إذ لا رجوع إليه فيها من

(173) سورة غافر، الآية: 40.
(174) الميزان: 333 / 17.
(175) سورة غافر، الآيات: 41 - 44.
(٢٣٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 229 230 231 232 233 234 235 236 237 238 239 ... » »»
الفهرست