فرعون (إنني معكما أسمع وأرى) أما قوله: (سيهدين) أي سيدلني على طريق لا يدركني فرعون معها (206).
وانتهى موسى عليه السلام بقومه إلى البحر، ومن خلفهم تجري عربات وخيول فرعون يقودها الصفوة في الدولة، وكل واحد فيهم يريد أن يكون له شرف قتل موسى ليزداد قربا من فرعون، وعند مسافة قدرها الله بين الطرفين، جاء وقت المفاصلة. يقول تعالى: (فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم) (207) قال المفسرون: أي كل قطعة منفصلة من الماء (كالطود) وهو القطعة من الجبل العظيم. وفي موضع آخر يقول تعالى:
(فاضرب لهم طريقا في البحر يبسا لا تخاف دركا ولا تخشى) (208) قال المفسرون: عندما ضرب موسى البحر بعصاه فانفلق كل فرق كالطود العظيم، أرسل الله تعالى الريح على أرض البحر. فلفحته حتى صار يابسا كوجه الأرض.
وقوله: (لا تخاف دركا) أي من فرعون (ولا تخشى) أي من البحر (209).
وحفظ الله تعالى البحر على حاله وهيئته حتى قطعه موسى ومن معه وخرجوا منه، وأوحى الله تعالى إلى موسى: (واترك البحر رهوا إنهم جند مغرقون) (210). قال المفسرون: أي اتركه ساكنا أو مفتوحا على حاله فيدخلونه طمعا في إدراككم فهم جند مغرقون (311). وجاء فرعون وجنوده. وشاهدوا الطريق اليابس. واندفعوا فيه، لم يسجل القرآن أن فرعون تدبر في الأمر، وأيقن كعسكري أن الذي أمامه مانع طبيعي وليس صناعيا ووجود الطريق اليابس في المانع الطبيعي في لحظة يعني أن هناك معجزة، وهذا في حد ذاته يدعوه كرجل عسكري أن يعيد تقدير الموقف على أساس جديد. لم يسجل القرآن ذلك ليسقط فرعون أمام التاريخ كعسكري وكفرعون وكإنسان، وانطلق فرعون بغيا وراء موسى