الانحرافات الكبرى - سعيد أيوب - الصفحة ٢٢١
الوادي وكأنه ملآن بالحيات يركب بعضها بعضا، وعندما ألقى موسى عليه السلام بعصاه، صارت تنينا عظيما هائلا ذا قوائم وعنق ورأس وأضراس، فجعلت تتبع تلك الحبال والعصي، حتى لم تبق منها شيئا إلا تلقفته، والسحرة والناس ينظرون إلى ذلك عيانا جهرة نهارا ضحوة، فقامت المعجزة واتضح البرهان (132) يقول تعالى: (وأوحينا إلى موسى أن الق عصاك فإذا هي تلقف ما يأفكون * فوقع الحق وبطل ما كانوا يعملون * فغلبوا هنالك وانقلبوا صاغرين * وألقي السحرة ساجدين * قالوا آمنا برب العالمين * رب موسى وهارون) (133) قال المفسرون: السحرة هم الذين ألقوا بأنفسهم إلى الأرض ساجدين، وذلك إشارة إلى كمال تأثير آية موسى فيهم وإدهاشها إياهم، فلم يشعروا بأنفسهم حينما شاهدوا عظمة الآية وظهورها عليهم، إلا وهم ملقون ساجدون...
فاضطرتهم الآية إلى الخرور على الأرض ساجدين، والإيمان برب العالمين الذي اتخذه موسى وهارون. وفي ذكر موسى وهارون دلالة على الإيمان بهما مع الإيمان برب العالمين. كما أن بيانهم رب العالمين برب موسى وهارون إشارة إلى رفضهم لعقيدة (رع) رب العالمين الذي تجري دماؤه في عروق الدجاجلة الكبار والصغار، وعلى رأسهم الفرعون المتكبر المسرف العالي في الأرض. وما إن أع لن السحرة ذلك، حتى هاج فرعون، وبدأ يلقي بالاتهامات (قال آمنتم له قبل أن آذن لكم إنه لكبيركم الذي علمكم السحر) (134)! قوله إنه لكبيركم ورقة سياسية يريد بها تهييج العامة عليهم، فهو يريد أن يقول: إنهم تواطأوا مع رئيسهم عند المنازلة فتخاذلوا وانهزموا وآمنوا لتتبعهم العامة وتذهب الطريقة المثلى! ولهذا قال في موضع آخر: (قال فرعون آمنتم به قبل أن آذن لكم إن هذا لمكر مكرتموه في المدينة لتخرجوا منها أهلها فسوف تعلمون) (135)!
وبدأ فرعون يحدد العقاب، فقال للسحرة: (فلأقطعن أيديكم وأرجلكم

(132) ابن كثير: 158 / 3.
(133) سورة الأعراف، الآيات: 122.
(134) سورة طه، الآية: 71.
(135) سورة الأعراف، الآية: 123.
(٢٢١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 216 217 218 219 220 221 222 223 224 225 226 ... » »»
الفهرست