(الديمقراطية) التي يعطيها لهم لتصب في أهدافه في نهاية الأمر.. فسياسة (ذروني) تفيد أن هناك اعتراضا على قتل موسى، وهذا الاعتراض يستقيم مع الخوف الداخلي للفرعون. وخوف فرعون الداخلي هذا، لا يتعارض مع خروجه وراء موسى بعد ذلك إلى البحر الذي لاقى فرعون فيه حتفه. لأن هذا الخروج كان يخضع لسنة الاستئصال، فالله تعالى أخرجه من دائرة الغيظ التي كانت تشتعل بداخله لعدم مقدرته قتل موسى الذي يهدد ملكه، كما أخرجه وأخرج قومه من جنات وعيون وكنوز. كان فرعون يعطيهم فيها مسحة من الحرية التي تصب في أهدافه يقول تعالى: (فأخرجناهم من جنات وعيون * وكنوز ومقام كريم) (155).
(وقال فرعون ذروني أقتل موسى وليدع ربه). قال المفسرون:
وقوله: (وليدع ربه) أي فليدع ربه أن ينجيه من يدي وليخلصه من القتل إن قدر.. وقوله هذا مكمل لما سبق للوصول إلى أهدافه السياسية، فكأنه يقول لقومه: اتركوني أقتل موسى الذي يقول لكم: إنه رسول رب العالمين، وليدع ربه أن يخلصه من القتل، فأنتم شاهدتم وتشاهدون أنني أقتل أتباع موسى ولم يخلصهم إله موسى من يدي، وهذا يثبت ألوهيتي.. وبعد هذه المقدمة طرح فرعون أهدافه (إني أخاف أن يبدل دينكم أو يظهر في الأرض الفساد) (156) فعدم مقدرته على قتل موسى، جعله يفكر في فرض حصار على دعوة موسى حتى لا تنتشر بين المصريين. قال المفسرون: ذكر لهم أنه يخاف موسى عليهم من جهة دينهم ومن جهة دنياهم. أما من جهة دينهم والذي هو عبادة الأوثان. فأن يقوم موسى بتبديله ويضع موضعه عبادة الله وحده، وأما من جهة دنياهم، فإنه إذا عظم أمر موسى وتقوى جانبه وكثر متبعوه فيترتب على هذا تمرد. وينتهي الأمر إلى ضياع الأمن في البلاد (157).
لقد كانت أطروحات فرعون تنطلق من دائرة التكبر والجحود والعناد، فهو يقتل ولكن دماء القتيل ستطوق عنقه يوم القيامة، وهو يدافع عن دين الأوثان ودنيا