الانحرافات الكبرى - سعيد أيوب - الصفحة ٢٢٧
والأرض لله، والعاقبة مطلقا للمتقين. وعلى المتقين يجري الاختبار. قد يكون اختبارهم تحت مظلة فرعون، وقد يكون تحت مظلة عاد أو ثمود أو أصحاب الأيكة. وفي جميع الأحوال، فإن أصحاب مظلات الصد عن سبيل الله، يتربعون على عروش هي أنسب شئ لشقاء لا ينتهي. فالأرض عليها تقي وشقي، فالمتقي لا يعنيه إن كان في القمة أو في القاع لأنه يأخذ بالأسباب ويسير في حياته وفقا لفقه الحلال والحرام، والشقي هو تحت الزخرف والزينة شقي، لأنه يقيم حياته على مقاييس تتصادم مع الكون وفطرة الوجود، ولذلك فزواله حتمي، لأن زواله سنة من سنن الوجود.
لقد كان الضعفاء يخافون من جبابرة الداخل والخارج، وكان موسى عليه السلام يبث فيهم الاستعانة بالله والصبر على الشدائد، وعندما قالوا له: (أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا) (148) قال لهم قولا بليغا ينسف قواعد تجار الأهواء والمصالح من بني إسرائيل، الذين حرفوا التوراة بعد ذلك، معتبرين أن العاقبة لبني إسرائيل، ولا تحتمل شرطا ولا قيدا: (قال عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون) (149) قال المفسرون:
كأنه قال: ما أمرتكم به. أن اتقوا الله في سبيل مقصدكم، هذه كلمة حية ثابتة، فإن عملتم بها كان من المرجو أن يهلك الله عدوكم ويستخلفكم في الأرض.
بإيمانكم إياها. والله لا يصطفيكم بالاستخلاف اصطفاء جزافا، ولا يكرمكم إكراما مطلقا من غير شرط ولا قيد، بل ليمتحنكم بهذا الملك، ويبتليكم بهذا الاستخلاف، فينظر كيف تعملون، قال تعالى: (وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء) (150) والقرآن بهذا يبين خطأ ما يعتقده اليهود من كرامتهم على الله كرامة لا تقبل عزلا. ولا تحتمل شرطا ولا قيدا، والتوراة تعد شعب إسرائيل شعب الله الذين لهم الأرض المقدسة، كأنهم ملكوها من الله سبحانه ملكا لا تقبل نقلا ولا إقالة (151) وقد بينا زيف ذلك الادعاء

(148) سورة الأعراف، الآية: 129.
(149) سورة الأعراف، الآية: 129.
(150) سورة آل عمران، الآية: 140.
(151) الميزان: 225 / 8.
(٢٢٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 222 223 224 225 226 227 228 229 230 231 232 ... » »»
الفهرست