هم منها يضحكون * وما نريهم من آية إلا وهي أكبر من أختها * وأخذناهم بالعذاب لعلهم يرجعون * وقالوا يا أيها الساحر ادع لنا ربك بما عهد عندك إننا لمهتدون * فلما كشفنا عنهم العذاب إذا هم ينكثون) (181) والعذاب عندما ضرب، ضرب الجميع في المنازل والقصور. وفي الشوارع وفي الحقول، ولكن القوم في كل مكان لم يكن لديهم أي استعداد فطري للخروج على ما يراه فرعون لهم، كانوا يتعذبون بالجوع والطوفان والجراد والقمل وغير ذلك، وعيونهم على فرعون ليضعوا في عقولهم ما سينطق به، لقد تعذبوا من أجل فرعون، وساروا في طريق العذاب كي ينعموا بما وعدهم الفراعنة وكهان الفراعنة بالخلود الدائم بعد الموت. ذلك الخلود الذي لا يكتمل إلا بطاعة فرعون.
وبعد أن كشف الله العذاب عنهم، ذلك العذاب الذي كان دعوة للتوبة، بدأ فرعون في ممارسة سياسة التشكيك في الآيات التي ضربتهم كما بدأ في ممارسة سياسة التحقير من موسى عليه السلام، ويخبر الله تعالى عن رد فرعون بعد أن جاءه موسى عليه السلام بآيات الله التسع بأنه قال: (إني لأظنك يا موسى مسحورا * قال لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السماوات والأرض بصائر وإني لأظنك يا فرعون مثبورا) (182) قال المفسرون: ذكر ههنا التسع آيات التي شاهدها فرعون وقومه من أهل مصر، فكانت حجة عليهم فخالفوها وعاندوها كفرا وجحودا (183) وفرعون بعد هذه الآيات ازداد عنادا وكفرا واتهم موسى عليه السلام بأنه مسحور أي اختل عقله، فقال له موسى: لقد علمت يا فرعون ما أنزل هؤلاء الآيات البينات إلا رب السماوات والأرض، أنزلها بصائر تبصر بها لتمييز الحق من الباطل. وإني لأظنك يا فرعون هالكا بالآخرة لعنادك وجحودك، وإنما أخذ موسى الظن دون اليقين لأن الحكم لله (184).
إنها سياسة التشكيك في الآيات سياسة تصف موسى مرة بأنه ساحر، ومرة بأنه مسحور، ومرة بأنه مجنون ومع سياسة التشكيك هذه سارت سياسة التحقير