الانحرافات الكبرى - سعيد أيوب - الصفحة ٢٣١
أدخل المؤمن نفسه فيهم على تقدير مجئ البأس، ليكون أبلغ في النصح وأوقع في قلوبهم، إنه يريد لهم من العافية ما يريده لنفسه، وكان رد فرعون على ما أشار به المؤمن: (ما أريكم إلا ما أرى) أي ما أقول لكم وأشير عليكم إلا ما أراه لنفسي، وأنه على يقين مما يهدي إليه قومه، وأمام هذا الاستكبار الفرعوني قال المؤمن: (يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب * مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم وما الله يريد ظلما للعباد) (161) قال المفسرون: لقد حذر قومه بأس الله تعالى في الدنيا والآخرة، وذكرهم بالذين كذبوا رسل الله في القديم كقوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم من الأمم المكذبة، كيف حل بهم بأس الله، وما رده عنهم راد ولا صده عنهم صاد، وما أهلكهم الله إلا بذنوبهم وتكذيبهم رسله ومخالفتهم أمره، وما الله يريد ظلما للعباد (162).
وبعد أن ذكرهم بالأمم الماضية. ذكرهم بيوسف عليه السلام فقال:
(ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات فما زلتم في شك مما جاءكم به حتى إذا هلك قلتم لن يبعث الله من بعده رسولا كذلك يضل الله من هو مسرف مرتاب) (163) قال المفسرون: أقسم لقد جاءكم يوسف من قبل بالآيات البينات التي لا تدع ريبا في رسالته من الله. فما زلتم في شك مما جاءكم به ما دام حيا، حتى إذا هلك ومات قلتم لن يبعث الله من بعده رسولا، فناقضتم أنفسكم ولم تبالوا، ثم أكده بقوله: (كذلك يضل الله من هو مسرف مرتاب) (164) وكان الله تعالى قد بعث في مصر رسولا من قبل موسى وهو يوسف عليه السلام كان عزيز أهل مصر، وكان رسولا يدعو إلى الله أمته بالقسط، فما أطاعوه تلك الطاعة إلا بمجرد الوزارة والجاه الدنيوي، وعندما مات قالوا طامعين لن يبعث الله من بعده رسولا! وذلك لكفرهم وتكذيبهم، ومن كان حاله هذا يضله الله لإسرافه في أفعاله وارتياب قلبه (165).

(161) سورة غافر، الآيتان.: 30 - 31.
(162) ابن كثير: 79 / 4، الميزان: 330 / 17.
(163) سورة غافر، الآية: 34.
(164) الميزان: 330 / 17.
(165) ابن كثير: 79 / 4.
(٢٣١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 226 227 228 229 230 231 232 233 234 235 236 ... » »»
الفهرست