الانحرافات الكبرى - سعيد أيوب - الصفحة ٢٢٦
يخافون الملأ والأشراف من بني إسرائيل. فإن الأشراف في بني إسرائيل ربما كانوا يمنعونهم لعدم إيمانهم أنفسهم، أو تظاهروا بذلك ليرضوا به فرعون وقومه (146).
وخلاصة ما نريد أن نقوله: إن الضعفاء كانوا يخافون من الداخل ومن الخارج، ففي الداخل يوجد أصحاب المصالح الذين يضحون بأي شئ في سبيلها، وفي الخارج فرعون وهامان وجنودها. أما فرعون فهو عال في الأرض لا يعدل فيما يحكم ويتفنن في التعذيب والقتل، وأما هامان فبقاؤه في بقاء فرعون وأما الجنود فغوغاء أتباع لكل ناعق، لقد كان الضعفاء يخافون على دينهم الذي يدفعون من أجله أبناءهم. من الذين يخافون على دنياهم ولا يتحرجون في فعل أي شئ من أجل الحفاظ إما على المصلحة وإما على الكرسي. إن عالم الخوف هذا الذي وضع قيوده وأسواره حول الفطرة. يعود إلى النظام الذي أقامه فرعون، فنظام فرعون هو أخطر النظم على الفطرة، لأنه محمل بالذهب وغني بالمصالح ومسلح بالبطش ويسهر عليه فقهاء فرق وشيع كل منهم يقدم هوى، وجميع الأهواء تصب في النهاية عند ابن آمون وفي عالم الخوف هذا يقول تعالى: (قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين) (147) قال المفسرون: لقد استنهضهم للاستعانة بالله والصبر على.
الشدائد، لأن الأرض يورثها من يشاء، وفرعون لا يملك الأرض حتى يمنحها من يشاء، ويمنع من التمتع بها من يشاء. وقد جرت السنة الإلهية أن يخص الله من يتقيه من عباده بحسن العاقبة، والله تعالى نظم الكون نظما يؤدي كل نوع إلى غاية وجوده وسعادته التي خلق لأجلها، فإن جرى على صراطه الذي ركب عليه، ولم يخرج عن خط سيره الذي خط له، بلغ سعادته لا محالة، والإنسان الذي هو أحد هذه الأنواع أيضا حاله هذا الحال، إن جرى على صراطه الذي رسمته له الفطرة، واتقى الخروج عنه والتعدي منه إلى غير سبيل الله، هداه الله إلى عاقبته الحسنة، وأحياه الحياة الطيبة، وأرشده إلى كل خير يبتغيه.
إن فرعون لا يملك الأرض، وإنما يمتلك أجسادا في سجون أهوائه،

(146) الميزان: 113 / 10.
(147) سورة الأعراف، الآية: 128.
(٢٢٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 221 222 223 224 225 226 227 228 229 230 231 ... » »»
الفهرست