الانحرافات الكبرى - سعيد أيوب - الصفحة ٢١٥
هذا لساحر عليم * يريد أن يخرجكم من أرضكم بسحره فماذا تأمرون) (101) وبعد أن قال الملأ الذين حول فرعون ما قاله فرعون حرفيا، قال لهم موسى:
(أتقولون للحق لما جاءكم أسحر هذا ولا يفلح الساحرون * قالوا أجئتنا لتلفتنا عما وجدنا عليه آباءنا وتكون لكما الكبرياء في الأرض وما نحن لكما بمؤمنين) (102) قال المفسرون: المراد بالحق هو الآية الحقة كالثعبان واليد البيضاء. ولقد أنكر موسى عليه السلام مقالتهم لرميهم الحق بأنه سحر، وقال فرعون وملؤه لموسى: (أجئتنا لتلفتنا) وتصرفنا عما وجدنا عليه آباءنا) يريدون سنة قدمائهم وطريقتهم (وتكون لكما الكبرياء في الأرض) يعنون الرئاسة والحكومة وانبساط القدرة ونفوذ الإرادة (103) إن زادهم في إناء الآباء، وحرفتهم هي الحكم. يدافعون عن الحكم بطرح أوراق التراث التي في إناء الآباء، وهم يطرحون أوراق التراث من أجل إلهاب مشاعر الجماهير ليدافعوا عن الحكم! فيحافظون بذلك على مصالحهم ويحافظون بذلك على الانحراف والشذوذ، والخاسر الوحيد في هذه القضية هم الجماهير الذين كفنوا الحاضر ليضعوه في توابيت المستقبل! والحياة من حولهم تناديهم أن رب العالمين هو خالق الكون، لكنهم لم يسمعوا نداء الحياة لأنهم لا يرون معالمها، فهم ينظرون بعيون فرعون ويفكرون بعقله.. يقول تعالى: (فلما جاءهم موسى بآياتنا بينات قالوا ما هذا إلا سحر مفترى وما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين * وقال موسى ربي أعلم بمن جاء بالهدى من عنده ومن تكون له عاقبة الدار إنه لا يفلح الظالمون) (104).
قال المفسرون: عندما شاهدوا المعجزات الباهرة والدلالة القاهرة على صدق موسى وهارون، وأيقنوا أنها من عند الله، عدلوا بكفرهم وبغيهم إلى العناد والمباهتة. وذلك لطغيانهم وتكبرهم عن اتباع الحق فقالوا: (ما هذا إلا سحر مفترى) أي مفتعل مصنوع (105) وأن ما جاء به موسى دين مبتدع لم ينقل عن

(101) سورة الشعراء، الآيتان: 34 - 35.
(102) سورة يونس، الآيتان: 77 - 78.
(103) الميزان: 109 / 10، ابن كثير: 426 / 2.
(104) سورة القصص، الآيتان: 36 - 37.
(105) ابن كثير: 389 / 3.
(٢١٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 210 211 212 213 214 215 216 217 218 219 220 ... » »»
الفهرست