الانحرافات الكبرى - سعيد أيوب - الصفحة ٢٠٤
معي ردءا يصدقني إني أخاف أن يكذبون) (67) قال المفسرون: أشار عليه السلام إلى قتله القبطي بالوكز، وكان يخاف أن يقتلوه قصاصا، ثم قال عليه السلام: إن أخي هارون هو أفصح مني لسانا فأرسله معينا لي يبين صدقي في دعواي إذا خاصموني، إني أخاف أن يكذبون فلا أستطيع بيان صدق دعواي، وكان في لسانه عليه السلام لكنة، فخاف أن تكون هذه اللكنة عائقا في بيان حجته وبيان ذلك في موضع آخر من كتاب الله (قال رب إني أخاف أن يكذبون * ويضيق صدري ولا ينطلق لساني فأرسل إلى هارون) (68) وبعد أن سأل موسى ربه أجاب سبحانه أدعيته جميعا: (قال سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطانا فلا يصلون إليكما بآياتنا أنتما ومن اتبعكما الغالبون) (69).
قال المفسرون: شد عضده بأخيه. كناية عن تقويته به. وعدم الوصول إليهما كناية من عدم التسلط عليهما بالقتل ونحوه، كأن الطائفتين يتسابقان، وإحداهما متقدمة دائما والأخرى لا تدركهم بالوصول إليهم، فضلا عن أن يسبقوهم لقد عجزت عاد قوم هود الذين دونوا فقه من أشد منا قوة! عجزت عن أن تكيد لهود بقتل أو بغيره. وها هي دولة الفراعنة تواجه نفس الموقف، ففرعون ذو الأوتاد، صاحب الجنود والأحجار، الذي استكبر في الأرض مضروب عليه وعلى قوته، فلن يستطيع أن يمس موسى وهارون عليهما السلام بأي أذى، وإذا كان قد قال يوما لمن حوله: (ذروني أقتل موسى) فإن هذا القول يدل في المقام الأول على العجز، فمنذ متى وفرعون يستأذن في قتل إنسان؟ إنه قال (ذروني أقتل موسى) لأنه مقيد بقانون (فلا يصلون إليكما)، وبعد أن أجاب الله سؤال موسى أمر بالذهاب إلى فرعون وأن يقولا له قولا لينا وقال تعالى:
(فأتياه فقولا إنا رسولا ربك فأرسل معنا بني إسرائيل ولا تعذبهم قد جئناك بآية من ربك والسلام على من اتبع الهدى * إنا قد أوحي إلينا أن العذاب على من كذب وتولى) (70) قال المفسرون: في سياق الآيات استهانة بأمر فرعون. وبما تزين به من زخارف الدنيا، وتظاهر به من الكبر والخيلاء ما لا يخفى. فقد قيل:

(67) سورة القصص، الآيتان: 33 - 34.
(68) سورة الشعراء، الآيتان: 12 - 13.
(69) سورة القصص، الآية: 35.
(70) سورة طه، الآيتان: 47 - 48.
(٢٠٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 199 200 201 202 203 204 205 206 207 208 209 ... » »»
الفهرست