الانحرافات الكبرى - سعيد أيوب - الصفحة ٢١٤
معجزة اليد البيضاء التي تضئ كالشمس الطالعة آية لغير السحرة وللسحرة في نفس الوقت، آية تضرب عقيدة عبادة الشمس التي تفنن قدماء المصريين في التقرب إليها، فالشمس هي محور الارتكاز (رع) الإله الأكبر الذي نسب الفرعون خفرع نفسه إليه. بعد أن جسدوا لها صنما على الأرض وقالوا إن روح (رع) قد حلت به. والقوم لهم في كل حركة للشمس ربا وهذا الرب له صنم على الأرض. فالشمس تخرج في الصباح باسم الإله (خبر) وتشتد باسم الإله (رع) وتبلغ النهاية باسم الإله (آتوم) وهناك فرق وشيع أطلقوا أسماء أخرى على هذه الحركة، وكل فرعون يأتي من طائفة يدعي أنه ابن للإله الذي تلتف حوله هذه الطائفة ويحكم ويبني المعابد باسمه! وعندما جاء إليهم موسى عليه السلام فتح يده أمامهم ليروا ضوءا كثيرا فأشغلهم مثله. فماذا قال فقهاء الشمس وعباقرة السحر عندما شاهدوا الإعجاز؟ لقد ملأهم الرعب عندما شاهدوا آية العصا، وأخذتهم الدهشة عندما شاهدوا آية اليد البيضاء، لكنهم هدأوا بعد ذلك، ونسبوا ما شاهدوه إلى السحر! يقول تعالى: (ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين * إلى فرعون وهامان وقارون فقالوا ساحر كذاب) (98) كان هذا قرار مجموعة العمل، ثم قام فرعون بإسناد تهمة جديدة إلى موسى لتكون ورقة في يده لتحريك الجماهير ضد موسى (قال أجئتنا لتخرجنا من أرضنا بسحرك يا موسى) (99) قال المفسرون: اتهم موسى أولا: بالسحر، لئلا يلزمه الاعتراف بصدق ما جاء به من الآيات المعجزة وحقية دعوته.
وثانيا: بأنه يريد إخراج المصريين من أرض مصر! وهي تهمة سياسية، يريد بها صرف الناس عنه، وإثارة أفكارهم عليه.. بأنه عدوهم يريد أن يطردهم من بيئتهم ووطنهم بمكيدته! ولا حياة لمن لا بيئة له (100).
وما أن ألقى فرعون ببيان اتهام موسى بالسحر وبأنه يريد إخراج المصريين من مصر.. حتى التقط أشراف القوم البيان ورددوه كما أذيع (قال للملأ حوله إن

(98) سورة غافر، الآيتان: 23 - 24.
(99) سورة طه، الآية: 57.
(100) الميزان: 172 / 14.
(٢١٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 209 210 211 212 213 214 215 216 217 218 219 ... » »»
الفهرست