الانحرافات الكبرى - سعيد أيوب - الصفحة ٢١٢
وإيجاده لها، يستلزم ملكه لوجودها وملك تدبير أمرها، وعندما سأله فرعون عن القرون الأولى أجاب بأنها معلومة لله محفوظة عنده في كتاب. لا يتطرق إليه خطأ ولا تغيير ولا غيبة وزوال، ثم بدأ عليه السلام في نسف أرباب النماء والفيضان والنيل وغير ذلك فقال: إن ربه هو الذي (جعل لكم الأرض مهدا وسلك لكم فيها سبلا وأنزل من السماء ماء فأخرجنا به أزواجا شتى) أي أن الله تعالى أقر الإنسان في الأرض يحيا فيها حياة أرضية ليتخذ منها زادا لحياته العلوية في الآخرة. وجعل للإنسان فيها سبلا، ليتنبه بذلك، أن بينه وبين غايته، وهي التقرب لله سبحانه سبيلا يجب أن يسلكها كما يسلك السبل الأرضية لمآربه الحيوية، وأنزل من السماء ماء وهو ماء الأمطار ومنه مياه عيون الأرض وأنهارها وبحارها، فأنبت منه أزواجا أي أنواعا وأصناما متقاربة من نبات يهديكم إلى مالكها ففي ذلك آيات تدل أرباب العقول إلى هدايته وربوبيته تعالى. ثم تطرق إلى قضية رئيسية أخرى. ألا وهي قضية البعث فقال إن ربه هو الذي بدأ خلق الإنسان من الأرض ثم يعيده فيها، ثم يخرجه منها للرجوع إليه.
2 - الاستكبار والمعجزة:
استمع فرعون، لكنه تمادى في دفعه وصده، ورأى عظيما عليه أن يلبي دعوة موسى ويتبع دينه. ويخلع عبادة الأوثان والربوبية عن نفسه. استمع الطاغوت الأكبر، لكنه لم يتدبر وقام بتحريك مخالبه وأنيابه، بعد أن هدم له موسى قوائم الظلم التي بدأت قديما من القرن الثاني والثلاثين قبل الميلاد هدم له قوائم خور وحتحور وبتاح وأوزير ورع وآمون وعجل أبيس، تلك القوائم التي انطلق بها الكهنة ووضعوها حول الرؤوس ليعيش الشعب في دوخة دينية فتركوا الحياة كلها لفرعون وتفرغوا للنهل من ثقافة القبور. أكلمه في حياة عادلة بعد الموت، ولكن هيهات هيهات. فأي عدل هذا الذي يقف فرعون على بابه، لقد استمع فرعون، فتحركت مخالبه من أجل الدفاع عن دماء الآلهة التي تجري في عروق البشر الذين يحكمون الناس، ومن أجل الدفاع عن تراث عميق ودفين دونه الآباء. (قال لئن اتخذت إلها غيري لأجعلنك من المسجونين) (91) هكذا لوح

(91) سورة الشعراء، الآية: 29.
(٢١٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 207 208 209 210 211 212 213 214 215 216 217 ... » »»
الفهرست