الانحرافات الكبرى - سعيد أيوب - الصفحة ٢١٠
السلام بدأ فرعون يحرك أنيابه (قال إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون) (87) قال المفسرون: سمى فرعون موسى رسولا تهكما واستهزاء، وأضافه إلى من حوله، ترفعا من أن يكون رسولا إليه، وقد رماه بالجنون مستندا إلى قوله عليه السلام: (ربكم ورب آبائكم).
وعندما اتهم فرعون موسى عليه السلام بالجنون، قذف موسى إليه بحجة قاصمة، أطاحت بعقيدة (أوزير) رب الموتى وبعقيدة (رع) أما عقيدة رب الموتى فكان المصريون القدماء يقيمون معظم أبواب مقابرهم في اتجاه الغرب ظنا منهم أن هذا الاتجاه منه يدخل الإله ويمنح الخلود للميت! وأما عقيدة (رع) فكانوا يعتقدون بأن (رع) هو رب الأرباب ويعني قرص الشمس، فالشمس عندما تشرق في الصباح تخرج من عند الإله (خبر) وعند الظهيرة تكتمل باسم الإله (رع) وعند النهاية تذهب باسم الإله (آتوم)! باختصار كان للشمس وشروقها وغروبها فقه طويل كل اتجاه فيه له إله، وهذا الإله له صنم على الأرض تحل الروح فيه ويتقرب إليه الناس ويدعي الفراعنة أنهم أبناؤه، فقام موسى عليه السلام بنسف هذه الإعتقادات من أصولها، فقال لفرعون وهو يحدثه عن رب العالمين: (رب المشرق والمغرب وما بينهما إن كنتم تعقلون) (88) وقوله.
(إن كنتم تعقلون) فيه تعريض لفرعون. مقابل استهزائه له عندما قال لمن حوله: (ألا تستمعون) ثم عندما رماه بالجنون، فقوله (إن كنتم تعقلون) إشارة إلى أنهم هم المحرومون من نعمة التعقل والتفقه. إن (رب المشرق والمغرب وما بينهما) تقرير لما جاء في الجواب الأول (رب السماوات والأرض وما بينهما) وأنه برهان على وحدة المدبر من طريق وحدة التدبير. وفي ذلك تعريف لرب العالمين. بأنه المدبر الواحد الذي يدل عليه التدبير الواحد في جميع العالمين. وعندما أفحم موسى عليه السلام فرعون، لم يجد الطاغية إلا أسلوب السلطة والقهر (قال لئن اتخذت إلها غيري لأجعلنك من المسجونين) (89) قال المفسرون: والمعنى: لو دمت على ما تقول لأجعلنك

(87) سورة الشعراء، الآية: 27.
(88) سورة الشعراء، الآية: 28.
(89) سورة الشعراء، الآية: 29.
(٢١٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 205 206 207 208 209 210 211 212 213 214 215 ... » »»
الفهرست