الانحرافات الكبرى - سعيد أيوب - الصفحة ٢١٧
ونحوه، حتى تعارض سحرهما بسحر مثله، وابعث في البلاد عدة من شرطتك وجنودك يحشرون كل سحار عليم فيها ويأتوك بهم والتعبير ب (كل سحار) إشارة إلى أن هناك من هو أعلم منه بفنون السحر وأكثر عملا. واعتمد فرعون الخطة، وقالوا لموسى: (فلنأتينك بسحر مثله فاجعل بيننا وبينك موعدا لا نخلفه نحن ولا أنت مكانا سوى * قال موعدكم يوم الزينة وأن يحشر الناس ضحى) (100) قال المفسرون: جعل موسى عليه السلام الموعد يوم الزينة. وكان يوما لهم يجري بينهم مجرى العيد. ويظهر من اللفظة أنهم كانوا يتزينون فيه ويزينون الأسواق. واشترط موسى أن يحشر الناس ضحى أي وقت انبساط الشمس من النهار، ليكون ما يأتي به ويأتون به على أعين الناس في ساعة مبصرة، وبدأت الأبواق الفرعونية تجوب البلاد لجمع السحرة كي تتم المنازلة الكبرى، وبدأت الجماهير تستعد لمشاهدة معركة من معارك فرعون! (وقيل للناس هل أنتم مجتمعون * لعلنا نتبع السحرة إن كانوا هم الغالبين) (111) قال المفسرون:
اجتهد الناس في الاجتماع ذلك اليوم. وقال قائلهم: (لعلنا نتبع السحرة) ولم يقولوا نتبع الحق سواء كان من السحرة أو من موسى، بل الرعية على دين ملكهم (112).
وجاء السحرة وطلبوا الأجر من فرعون إن كانوا هم الغالبين، فجعل لهم الأجر وزاد عليه الوعد بجعلهم من المقربين، وقبل المنازلة توجه موسى عليه السلام إلى السحرة وقال: (ويلكم لا تفتروا على الله كذبا فيسحتكم بعذاب وقد خاب من افترى) (113) قال المفسرون: قال لهم موسى: (ويلكم لا تفتروا على الله كذبا) أي لا تخيلوا للناس بأعمالكم. إيجاد أشياء لا حقائق لها وأنها مخلوقة وليست مخلوقة، فتكونون قد كذبتم على الله. فيهلككم بعقوبة، هلاكا لا بقية له (114). وبعد أن قال لهم موسى ذلك يقول تعالى: (فتنازعوا أمرهم

(110) سورة طه، الآيتان: 58 - 59.
(111) سورة الشعراء، الآيتان: 39 - 40.
(112) ابن كتير: 334 / 3.
(113) سورة طه، الآية: 61.
(114) ابن كثير: 157 / 3.
(٢١٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 212 213 214 215 216 217 218 219 220 221 222 ... » »»
الفهرست