الانحرافات الكبرى - سعيد أيوب - الصفحة ٢٠٨
والثالث: المن عليه. بأنه من عبيده ويستفاد ذلك من قوله: (وأنت من الكافرين) وبدأ عليه السلام يجيب، فغير الترتيب في الجواب، فأجاب أولا عن اعتراضه الثاني. وهو القتل لأن فرعون يعلق عليه آمال وينسج من أجله كيد.
ثم أجاب عن الاعتراض الأول ثم عن الثالث. فقوله: (فعلتها إذا وأنا من الضالين) جواب عن اعتراضه بقتل القبطي. والمراد: أني فعلتها حينئذ.
والحال أني في ضلال من الجهل بجهة المصلحة فيه، والحق الذي يجب أن يتبع هناك، فأقدمت على الدفاع عمن استنصرني. ولم أعلم أنه يؤدي إلى قتل الرجل. ويؤدي ذلك إلى عاقبة وخيمة، تحوجني إلى خروجي من مصر وفراري إلى مدين والتغرب عن الوطن سنين.
ثم بين عليه السلام أن فراره من مصر كان لخوفه منهم، حيث أصبح الملأ لا شاغل لهم إلا الفتك به، كما أخبر الله في سورة القصص: (وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى قال يا موسى إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج...) ثم أجاب عليه السلام عن اعتراض فرعون الأول، وهو استغراب رسالته واستبعادها وهم يعرفونه فقال: (فوهب لي ربي حكما وجعلني من المرسلين) فبين أن استغرابهم واستبعادهم رسالته استنادا إلى سابق معرفتهم بحاله، إنما يستقيم لو كانت الرسالة أمرا اكتسابيا، يمكن أن يتوقع حصوله بحصول مقدماته الاختيارية، وليس الأمر كذلك، بل هي أمر وهبي، لا تأثير للأسباب العادية فيها، وقد جعله الله من المرسلين، كما وهب له الحكم بغير اكتساب. أما اعتراض فرعون الثالث. حيث قام فيه بتقريع موسى على اعتباره من عبيده فكان جوابه: (وتلك نعمة تمنها علي أن عبدت بني إسرائيل) أي أن هذا الذي تعده نعمة، وتقرعني بكفرانها، سلطة ظلم وتغلب، إذ عبدت بني إسرائيل، والتعبيد ظلما وتغلبا، ليس من النعمة في شئ (81).
1 - الحجج الدامغة:
(قال فرعون وما رب العالمين) (82). قال المفسرون: لما كلم فرعون

(81) الميزان: 265 / 15.
(82) سورة الشعراء، الآية: 23.
(٢٠٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 203 204 205 206 207 208 209 210 211 212 213 ... » »»
الفهرست